مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة

فصول كتاب أحكام السفر في الإسلام

 

للشيخ علي يحي معمر

 

اتخاذ الوطن

يرى كثير من علماء الإسلام أنه يجوز للمسلم أن يتخذ عدة أوطان ، إذا كان مرتبط المصالح بتلك الأوطان ، يكثر التردد عليها والإقامة بها . ويذهب أكثر هؤلاء العلماء إلى أن من حق الرجل أن يتخذ أربعة أوطان ، استنادا إلى انه قد يتزوج أربع زوجات كل واحدة منهن في مكان ، ويشترطون في هذه الأوطان أن تكون بلاد إسلام لا بلاد كفر .

ويرون أنه من حق الرجل أن ينزع بعض هذه الأوطان أو أن يغيرها متى شاء وذلك بأن ينوي نزعها أو تغييرها .

وأنا لا يسعني إلا أن أطأطئ رأسي لأولئك العلماء وأعلن إحلالي واحترامي لهم ولما استندوا إليه في آرائهم تلك ، ولكنني مع ذلك أجد كثيرا من الحرج حين أعتبر الوطن قضية مصلحية متغيرة أرتبط بها اليوم وأنفَلُّ عنها غدا .

إن الوطن في نظري تربة ذات حقوق ترتبط بالدم والمصير والمشاعر والعواطف وليس من السهل أن يتلاعب بها الإنسان بالنية ، لسنة أو سنتين ، حتى إذا انتقلت منه مصلحته أو عمله استطاع أن يغيره بنفس السهولة التي اكتسبه بها .

وهكذا الوطن الثاني والثالث وما بعده . وهل يحس الإنسان بالرباط المقدس بين الشخصية والوطنية إذا كان من هذا النوع .

إنني لا أرد على سادتي العلماء ولكنني في نفس الوقت لا أميل إلى جواز تعدد الأوطان ، ولا أفتي به إلا مضطرا أو مقلدا . وأنا مع ذلك أشعر بكثير من عدم الارتياح . ويضاف إلى هذه النقطة نقطة أخرى لابد أن يشير إليها الكاتب وهو يتحدث عن اتخاذ الأوطان وقد صاغها أحد الإخوان في السؤال الآتي :

لماذا لا يتخذ الليبي ليبيا كلها وطنا ، وكذا التونسي والمصري وغيرهم ، ويبدأ حساب الأميال خارج حدود المملكة ؟

ويبدو لأول نظرة أن هذا السؤال وجيه ومنطقي وقد يفتي بجواز ذلك بعض العلماء أما أنا فلا أرى ذلك ولا أفتي به لسببين :

 الأول : أن الوطن الإسلامي يتكون من ركنين أساسيين هما المدينة أو القرية التي تسكنها ثم بقية البلاد التي تخفق فيها راية الإسلام وتعلو فيها كلمة التوحيد ويرتفع في جناباتها الآذان . فإذا خرجت من قريتك فإن طرابلس وتونس وبغداد وجاكرتا وطهران وبقية البلاد الإسلامية إليك سواء ولها عليك نفس الحقوق ولن تفصل بينها الحدود السياسية المصطنعة التي تتغير كل يوم ولذلك فأنت إما أن تكون في وطنك الذي هو مدينتك أو قريتك ، أو تكون مسافرا خارجا عن وطنك في أي مكان ، والقارئ الكريم لا شك يذكر أن الحكم السياسي قد وحد بين جمع أو أكثر بلاد الإسلام في بعض العصور فلم تكن بيتها حدود . ونحن ننتظر أن يعز الله الإسلام وأهله حتى تنتظم الأمة الإسلامية راية واحدة ويحكمهم منهاج واحد مستمد من دين الله وليس ذلك على الله بعزيز ؟

الثاني : أن رسول الله  قد اتخذ المدينة المنورة وطنا ولم يشأ أن يخرج بوطنيته إلى غيرها رغم أن حكم الإسلام قد امتد إلى كثير من نواحي الجزيرة العربية وإذا كان رسول الله  وله النفوذ الكامل على جميع البلاد التي آمنت به ، واتبعته وقد تزوج في كثير منها ولكنه مع ذلك احتفظ بالوطنية للمدينة المنورة . فلماذا نوسع نحن دائرة الوطنية ؟ ونخرجها عن مفهومها الذي حفظناه عن رسول الله  وهو القدوة ، أفنحن أكثر فهما للوطنية وتقديرا لها من سيدنا محمد  ، وهل يبلغ الليبي في حب ليبيا ،والسوري في حب سوريا ، والمغربي في حب المغرب ما لم يبلغه  في حب البلاد المسلمة من جزيرة العرب ؟

إن من يظن ذلك يكون مخدوعا قد غره الشيطان واتبع هواه .

 
 

 

 

الصفحة الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تتطلب ذكر المصدر كاملا  عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع