تحديد مدة السفر
ذهب بعض العلماء
بناء على نظرات اجتهادية إلى تحديد مدة السفر وقد اختلفوا في ذلك
اختلافا كثيرا ، فحدودها بثلاثة أيام وبأربعة وبعشرة وبخمسة عشر
وبغير ذلك وجميع هذه الأقوال لا تستند إلى نص من كتاب الله أو سنة
رسول الله وإنما هي نظرات اجتهادية ذهب إليها أصحابها واستنتجوها
من بعض أحكام الإسلام بطريقة الرأي والقياس ويبدو أن أولئك العلماء
قر في أذهانهم أن الصلاة الكاملة أربع ركعات في كل من الظهر والعصر
والعشاء وأن التقصير من أربع ركعات رخصة إذا جاز لإنسان أن يعمل
بها فلا يحق له أن يداوم عليها وبناء على هذا الأصل راحوا يلتمسون
الأسباب لتحديد مدة السفر بأقصر ما يمكن ولو استند قياسهم أو رأيهم
إلى نظر بعيد شديد البعد .
ونحن لا نناقش آراء
أولئك العلماء في اجتهادهم فحسبنا من ذلك ما ثبت عن رسول الله .
قال الصنعاني :"
ومنهم من قدر ذلك بخمسة عشر وسبعة عشر وثمانية عشر على حسب ما ورد
في الروايات في مدة إقامته في مكة وتبوك وأنه بعدما يجاوز مدة ما
روي عنه يتم صلاته . ولا يخفى أنه لا دليل في المدة التي قصر فيها
على نفي القصر فيما زاد عليها وإذا لم يقم دليل على تقدير المدة
فالأقرب أنه لا يزال يقصر كما فعله الصحابة " (1).
ويظهر أن اختلاف
أولئك المجتهدين على تحديد مدة السفر إن دل على شيء فإنما يدل أنه
لا يوجد دليل ثابت يحد مدة القصر في السفر اللهم إلا الاستيطان ،
فالشخص إما أن يكون مسافرا فيجب عليه القصر ولا يجوز له الإتمام
وتنطبق عليه أحكام السفر طالت المدة أم قصرت ما دام ينطبق عليه حكم
السفر ولم يتخذ مقره الجديد وطنا وإما أن يكون مقيما في وطنه
مستقرا ببلده فيجب عليه الإتمام ولا يجوز له أن يقصر الصلاة طالت
المدة أو قصرت ما دام لم يغير وطنه ذلك ، ويتخذ لنفسه وطنا غيره ،
ولو كن هنالك دليل على تحديد زمني لمدة السفر لما وجد أولئك
العلماء المجتهدون سبيلا للخلاف وتعدد وجهات النظر . فإن تحديد كل
واحد منهم مدة معينة إبطال للمدة التي حددها غيره .وما أجرنا أن
نترك هذه التحاديد كلها ونعود إلى ما صح عن رسول الله وأنه ليكفي
حجة للمسلم إذا جاء يوم القيامة فسئل لماذا كان يقصر في صلاته وقد
أقام في محل سفره مدة طويلة ؟ أن يجيب لقد علمت أن رسول الله لم
يتم في سفر قط فاقتديت به وتركت آراء الناس .