مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة

فصول كتاب أحكام السفر في الإسلام

 

للشيخ علي يحي معمر

 

صلاة الخوف

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم : [ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا * وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ] (1) .

الآية الكريمة تنص في صلاة الخوف ، وفيها بيان تفصيلي لكيفية الصلاة عندما يكون المسلمون في مواجهة العدو الحانق المتربص ، الذي يلتمس من المسلمين غرة ينخدعون فيها عنه فيضعون أسلحتهم وأمتعتهم ليميل عليهم ميلة واحدة وهذه الفرصة التي يلتمسها العدو من المسلمين لا يمكن أن تكون إلا في حالة واحدة هي الحالة التي يتجهون فيها بقلوبهم إلى الله ويسلمون أرواحهم إليه ليناجوه في صلاة خاشعة وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يفوت على أعداء الإسلام هذه الفرصة أو هذه الأمنية التي ينتظرونها بفارغ الصبر فأنزل تعالى حكم صلاة الخوف ومهما قيل في أسباب النزول فإن الحكم الذي نزلت به الآية الكريمة يبقى عاما في كل جهاد بين الأمة المسلمة وأعدائها . وقد تناول هذه الآية الكريمة كثير من العلماء بالبحث وأدخلوها في نطاق السفر واستدل بها قوم منهم على جواز القصر في السفر في السفر واستدل بها البعض الآخر على وجوبه والذي حملهم : [ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ ] فإن الضرب في الأرض معناه السفر . ولكن يبدو أن المقصود بالضرب في الأرض هنا إنما هو التحرك لملاقاة العدو لا مجرد السفر فإن سياق الآية الكريمة يدل على ذلك [ إِنْ خِفْتُمْ ] كما أن بقية الآية تشير إلى العدو المتربص المقابل للمسلمين ، فالضرب في الأرض يعني مطلق الحركة لملاقاة العدو هجوما أو دفاعا سواء كانت هذه الحركة لمحل بعيد يقطع فيه المسلمون مسافة السفر كما كانت أغلب غزوات الرسول  أو كانت هذه الحركة لمحل قريب داخل الأميال ، وإنما كل ما يشترط فيه إنما هو التحرك لمواجهة العدو وفي حالة الخوف منه فالآية الكريمة خاصة بأحكام الصلاة في الخوف سواء كان هذا قريبا منها في محل بعيد عن مقر الأمة المسلمة أو كان هذا قريبا منها ولذلك اختار القرآن الكريم كلمة الضرب في الأرض الدالة على مطلق التحرك ولم يستعمل كلمة السفر الدالة على تحرك معين .

والآية الكريمة تنص أنه لا جناح على المؤمنين أن يقصروا من الصلاة في حالة الخوف وكل ما يشترط لهذا التقصير إنما هو الخوف من أن يفتنهم الذين كفروا .

واستنادا إلى عموم الآية الكريمة يمكننا القول أنه يجوز أن تقصر الصلاة قصر عدديا حينا وقصرا في الأركان حينا آخر وإن كان لكل نوع من أنواع القصر أحوال تستدعيه فعندما يكون الجيشان متوافقين ينتظر كل منهما الغرة من الآخر فهنا يأتي القصر العددي وينقسم المسلمون إلى فرقتين آدهما تواجه العدو والثانية تقوم إلى الصلاة . ثم تتبادلان الموقف .

وعندما يكون الموقف معركة دائبة أو حالة طلب سواء كان كرا أو فرا فإن النقص هنا يكون وعلى هذا فالقصر العددي يكون في صلاة الجماعة أما القصر في الأركان فيكون في صلاة الجماعة وقد وردت عدة صور لصلاة الخوف والذي أختاره من بين تلك الصور ما يأتي :

 1- إذا كان المسلمون في سفر أعني خرجوا لملاقاة العدو خارج الأميال فتقام الصلاة ويقف الإمام في المصلَّى الذي يختارونه ثم تأتي طائفة فتصلي وراءه ركعة بينما الطائفة الثانية واقفة بسلاحها آخذة حذرها مواجهة للعدو فإذا أتمت الطائفة الأولى ركعة قامت إلى الحراسة وواجهت العدو وأتت الطائفة الثانية فتقف وراء الإمام ويصلي بهم ركعة ثانية ثم يسلم بهم جميعا فتكون له ركعتان ولهم ركعة واحدة وذلك هو القصر الذي ورد في الآية الكريمة لأن صلاة السفر ركعتان فإذا قصرت للخوف أصبحت ركعة واحدة . قال الربيع بن حبيب (1) : قال أبو عبيدة مسلم (2)وبه العمل عندنا وهو قول ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة (3).

ويدل لهذا قول ابن عباس " فرض الله الصلاة على نبيكم  في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة (1)" .

2- إذا كان المسلمون في غير سفر وذلك إذا تحركوا لملاقاة العدو داخل الأميال وتلاقى الجيشان وخاف المسلمون أن يفتنهم الذين كفروا فإذا حضرت الصلاة الرباعية فإنه تقام الصلاة ويقف الإمام في المصلى ثم تأتي الطائفة الأولى فتقف وراء الإمام ويصلي بها ركعتين والطائفة الثانية في مواجهة العدو فإذا أتمت ركعتين ذهبت إلى مواجهة العدو وجاءت الثانية فوقفت وراء الإمام وصلى بهم ركعتين ثم يسلم بهم جميعا وبذلك يكون الإمام صلى أربع ركعات أما بقية المسلمين فيكونون قد صلوا ركعتين وذلك معنى القصر العددي . ويتضح من هذا أنه لا جناح على المسلم إذا خاف فتنة العدو أن يقصر من الصلاة فإن كان فرضه أربعا صلى ركعتين وإن كان فرضه ركعتين صلى ركعة واحدة ولكن هذه الصور لا تكون إلا في صلاة الجماعة أما صلاة الأفراد فلهم أن يقصروا من الأركان ما يوجب الحذر من العدو قصره سواء كان المسلم طالبا أو مطلوبا . هذا ما تبين لي في هذا الموضوع وهو ما اعتقدته حقا بعد التأمل في الآية الكريمة وفي الآثار التي ورد عن رسول الله  ، وبعد دراسة ما بين يدي من أقوال العلماء الأعلام فإن كان هو الحق فالله الحمد على التوفيق وإن أخطأت فذلك مبلغ جهدي وإني ألجأ تعالى أن يغفر لي زللي وأن يعفو عن خطأي ، في فهم كتابه الكريم ، أو القول فيه بغير علم إنه غفور رحيم .

 
 

 

 

الصفحة الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تتطلب ذكر المصدر كاملا  عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع