مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة

فصول كتاب أحكام السفر في الإسلام

 

للشيخ علي يحي معمر

السفر

السفر : هو خروج الإنسان من محل إقامته ، لغرض من أغراض الحياة ، بنية الرجوع .

ويعتبر الشخص مسافراً ما لم يتخذ وطنا جديداً يستقر فيه ، وينوي الإقامة الدائمة به ، وبقاء الإنسان في مكان ما خارج وطنه لمدة طويلة أو قصـيرة ، ما دام ينوي الرجوع ، لا يغير من حقيقة السفر وأحكامه شيئا . ونسـتطيع أن نتأكد من هذه المعاني للسفر إلى كتاب الله  وسنة رسوله .

أما القرآن فقد جاء فيه على لسان ( أهل ) سبأ [ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ] (1) ، وذلك بعد قوله [ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ] (2) ، فقد اعتبرت المسافات القصيرة بين القرى الظاهرة سفرا مع أن المتنقل بينهما قد لا يحتاج فيها إلى زاد أو ماء أو رفقة فما خرج من قرية حتى يبدو له قرية أخرى ظاهرة فيصل إليها دون عناء أو بعد عناء يسير وقد ينتقل من هذه القرية إلى القرى التي بعدها ، قرية بعد قرية ، فيسير ليالي وأياما على هذه الطريقة المريحة التي قدر العليم الحكيم مسافات السير والإقامة بها .

وقد يسافر إلى أقرب قرية فيقضي شأنا من شؤونه ثم يعود ، ومعلوم من الآية الكريمة أن القرى متجاورة عن بعضها بل إنها لتبدو للناظر ظاهرة في وضوح . والقرآن الكريم يسمي كل ذلك سفرا ما قرب منه وما بعد ، على أن هذا القرب وهذا الأمن وهذا العمران والازدهار هو ما ملة أهل سبأ فكفروا بنعمة الله التي أسبغها عليهم . وطلبوا منه تعالى أن يباعد بين أسفارهم فاستجاب الله لهم فأبدلهم عن جنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ، ثم جعلهم أحاديث ومزقهم كل ممزق .

وجاء في الكتاب العزيز قوله تعالى : [ لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّـقَّةُ ] (1) والسفر القاصد التوسط والآية الكريمة وإن كانت لا تنص على تحديد المسافة أو الزمن إلا أنها تدل على أن من السفر سفراً بعيداً ومتوسطاً وقريباً . وأن المنافقين قد يذهبون مع الرسول  إلى السفر القريب أو المتوسط إذا كان سببا للغنيمة أو الكسب ثم يعودون إلى منازلهم في المدينة دون تضحية أو خسارة ، أما عندما يكون السفر بعيداً شاقاً وفي زمن الحر ولحرب بني الأصفر فهذا ما لا تطيقه عزائم المنافقين ، ولا تدفع إليه عقائدهم المخذولة ، وإرادتهم الواهنة الضعيفة .

والآيتان الكريمتان وإن كانتا لا تحددان مسافة أو زمنا للسفر إلا أنهما أطلقتا معنى السفر على قطع المسافة القريبة بين القرى الظاهرة أو التي ينشط إليها المنافقون ليحرزوا الغنائم ويعودوا إلى أهلهم بالمكاسب دون أن تنالهم مشقة أو يصيبهم تعب .

أما السنة النبوية المطهرة التي تفصل المجمل من كتاب الله فقد ورد فيها ما يأتي :

عن أبي هريرة : (( لا يحل لامرأة تسافر بريدا إلا ومعها محرم )) (1).

وعن أبي عمر : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر فوق ثلاثة أيام إلا مع محرم )) (2).

روى عنه  أنه قال : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم )) (3).

فهذه الأحاديث الكريمة أطبقت على المسافات التي يقطعها الإنسان في يوم أو في ثلاثة أيام سفراً والأحاديث الكريمة هنا لا تحدد السفر وإنما تنهى المرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم وقد نهاها r أن تسافر مع أجنبي بريدا أو يوما أو ثلاثة أيام أو فوق ذلك والأحاديث تنص على أنه لا يجوز للمرأة مطلق السفر سواء كان بعيدا أو قريبا إلا مع محرم . هذا إذا كانت تؤمن بالله واليوم الآخر .

على أنه صح عن رسول الله  : (( إنه  الظهر بالمدينة أربعا . وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين )) (1).

وروي عن أنس بن مالك  أنه قال : " كان رسول الله  : إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال  ركعتين "(2) .

وعن أبي سعيد الخدري إنه قال : " كان رسول الله  إذا سافر فرسخا يقصر الصلاة " (1)والفرسـخ ثلاثة أميال .

وجاء في مدونة أبي غانم الخراساني (2): " أنه روى أن النبي  خرج المدينة فرسخان ،  ركعتين ركعتين ثم رجع إلى المدينة فقيل له في ذلك فقال  إنما أردت أن أعلمكم صلاة السفر " (3).

فالسنة القولية والسنة العملية تدلان على أن المسافة التي يعتبر الإنسان مسافرا إذا قطعها ، هي ما يترواح بين ثلاثة أميال وأربعة أو هي ما يعادل ما بين المدينة وذي الحليفة أو ما يقطعه الإنسان في سير عادي بين صلاة الظهر وأول العصر .

فلو خرج الإنسان لشأن من شؤونه ولم يتجاوز ثلاثة أميال لم يعتبر مسافرا ولا تجري عليه أحكام المسافر ولا يجوز له أن يفطر أو يقصر الصلاة أما الذي يتجاوز في خروجه من محل إقامته ما يساوي ثلاثة أميال أو أثنى عشر كيلو متر أو ما يساوي ما بين المدينة المنورة وذي الحليفة أو ما يمكن أن يقطعه الرجل العادي بالسير العادي في الفترة الزمنية التي تقع بين صلاة الظهر وأول العصر فهو مسافر مهما كان الغرض الذي خرج من أجله وطبقت عليه أحكام السفر فجاز له أن يفطر ولم يجز له أن يصلي الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات بل تعين عليه أن يصلي الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين .

 
 

 

 

الصفحة الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تتطلب ذكر المصدر كاملا  عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع