من هم الخوارج في
نظر الإباضية ؟
يرى الإباضية إن إطلاق كلمة
الخوارج على فرقة من فرق الإسلام لا يلاحظ فيه المعنى السياسي الثوري ، سواء كانت
هذه الثورة لأسباب شرعية عندهم أو لأسباب غير شرعية ، ولذلك فهم لم يطلقوا هذه
الكلمة على قتلة عثمان ، ولا على طلحة والزبير وأتباعهما ، ولا على معاوية وجيشه ،ولا
على ابن فندين والذين أنكروا معه إمامة عبد الوهاب الرستمي . وإنما كل ما يلاحظونه
إنما هو المعنى الديني يتضمنه حديث المروق في صيغة المختلفة .
والخروج عن الإسلام
يكون : إما بإنكار الثابت القطعي من أحكامه ، أو بالعمل بما يخالف المقطوع به من
نصوص أحكام الإسلام ديانة ، فيكون هذا العمل في قوة الإنكار والرد . وأقرب الفرق
الإسلامية إلى هذا المعنى هم الأزارقة ومن ذهب مذهبهم ممن يستحل دماء
المسلمين وأموالهم ، وسبى نسائهم وأطفالهم ، يقول العلامة أبو يعقوب يوسف بن
إبراهيم في كتابه الدليل والبرهان : ( وزلة الخوارج نافع بن الأزرق وذويه حين
تأولوا قول Q تعالى ] وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ
إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ[ فأثبتوا الشرك لأهل
التوحيد حين أتوا من المعاصي ما أتوا ولو أصغرها) انتهى ، وقال في موضع آخر من
نفس الكتاب : ( وأما المارقة فقد زعموا أن من عصى Q تعالى ولو في صغير من
الذنوب أو كبير ، أشرك بالله العظيم ، وتأولوا قول Q U ]
وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ[
فقضوا بالاسم على جميع من عصى Q U ، إنه مشرك ،
وعقبوا بالأحكام ، فاستحلوا قتل الرجال ، وأخذ الأموال ، والسبي للعيال ، فحسـبهم
قول رسـول الله r : ( إن ناسا من أمتي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ،
فتنظر في النصل فلا ترى شيئا ، وتنظر في القدح فلا ترى شيئا ، وتتمارى في الفوق )
فليس في أمة محمد r أشبه شيء بهذه الرواية منهم ، لأنهم عكسوا الشريعة ، قلبوها
ظهراً لبطن ، وبدلوا الأسماء والأحكام ، لأن المسلمين كانوا على عهد رسول الله r
يعصون ولا تجرى عليهم أحكام المشركين ، فليت شعري فيمن نزلت الحدود ، في المسلمين
أو في المشركين؟ فأبطلوا الرجم والجلد والقطع ، كأنهم ليسوا من أمة أحمد u . أحوالت
أعينهم فنظروا في المعنى الذي أمر Q به المسلمين أن يستعملوه في لمشركين ، من جهاد
العدو والجهد في محاربتهم ، فاستعملوه في المسلمين ) انتهى . وقال في نفس الكتاب
: (وأما المارقة وهم الخوارج ، فلن يخفى على عاقل بسيرة ما ساروا في أهل
الإسلام ، كسيرة أهل الأوثان والأصنام ، كأنما بعث إليهم رسول آخر غير محمد u ، وقد
قال رسول r : ( إن ناساً من أمتي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية . فتنظر في
النصل فلا ترى شيئاً ، وتنظر في القدح فلا ترى شيئاً ، وتنظر في القديد فلا ترى
شيئاً ، وتتمارى في الفوق ) وفي حديث آخر ( يخرج من ضئضئ هذا ناس يمرقون من
الدين مروق السهم من الرمية ) .
هذا رأى الإباضية الصريح الواضح في الخوارج ، وهو يتلاقى مع رأى
الجمهور في التسمية ، ويختلف في التعليل ، فالأزارقة خوارج ، لانهم أخطأوا تأويل
آيات الكتاب ، وأدى عملهم بهذا الخطأ إلى ردآيات ، وإبطال أحكام ، وليسوا خوارج
لأنهم انفصلوا عن علي بن أبي طالب بعد التحكيم ، أو لأنهم ساروا على الأمويين. إن
رأى الإباضية لا يقيم أي وزن للناحية الثورية في إطلاق كلمة الخوارج ، ولكنهم
يعللونها التعليل الديني المعقول ، فكلمة الخوارج لا تطلق إلا على أولئك الذين
خرجوا من الدين . أما الخروج عن إمام ، والثورة عليه ،مهما كانت الأسباب تلك الثورة
، وذلك الخروج ، لا يمكن أن يعتبر خروجاً من الدين ، ومروقا من الإسلام ، ولا يصح
بحال أن يطبق على القائمين به هذا الحكم القاسي الرهيب ، ولو صح أن يعتبروا عصاة
بغاة يجب تأديبهم حتى بالحرب لإرجاعهم إلى الأمة . والواقع التاريخي أكبر شاهد على
هذا الرأي ، فإنه لم يعرف على الأقل فيما اطلعت عليه أن أحداً حكم بالخروج من الدين
على أصحاب الثورات الذين ثاروا على أئمة شرعيين ، كالثوار على عثمان ، أو على ، أو
عبد الله بن وهب ، أو غيرهم . وقد وقف أنصار الخلافة في كل تلك الأحوال للدفاع عن
وحدة الأمة ، وقاتلوا البغاة قتالا عنيفاً لتأديبهم ، وإرجاعهم إلى حظيرة الإمامة،
ولكن دون الحكم عليهم بالمروق من الإسلام . فلماذا إذن يطلق هذا الاسم على
المعتزلين لعلي دون سائر الثوار ؟
إن هذا الاسم في نظر الإباضية لا علاقة له بالثورة ، أو بالخروج
عن أي إمام ولا يطلق بحال على جميع الذين اعتزلوا علياً ، وإنما يطلق على الفرق
التي تأولت آيات من كتاب Q فأخطأت التأويل ، وأفضى بها سوء الفهم والتصرف إلى إنكار
أو رد بعض أحكام الإسلام القطعية ، ولو من الناحية العملية ، فخرجوا بذلك عن
الإسلام ، وانطبق عليهم حديث رسول الله r ، فهم خوارج بالعقيدة والعمل ، لا بالثورة
.
فهل بعد هذا الإيضاح والبيان
، يوجد ما يدعوني أن أقرر من جديد : أن الإباضية ليسوا من الخوارج ، وقد
رأيتم رأيهم الصريح في الخوارج ، وحكمهم عليهم ، وتعليلهم لذلك الحكم
.