مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة

فصول كتاب سمر أسرة مسلمة  

 

حفلة عيد الميلاد

قال نجيب قبل أن يذهب إلى المدرسة في الصباح :

هل تعرف يا أبي أن الليلة القادمة عيد ميلادي .

قال الأب : نعم أعرف أن الليلة القادمة هي عيد ميلادك ، فقد ولدت في مثلها ، وبذلك فقد أتممت اليوم ، السنة الرابعة عشر وستدخل في هذه الليلة السنة الخامسة عشر من عمرك السعيد .

قال نجيب : إذن ستوافق يا أبي على الحفلة الصغيرة التي سأقيمها بهذه المناسبة لزملائي ، وستتحفني بهدية جميلة أزهو (1)بها على أقراني ، كما عودتني في أعياد ميلادي السابقة … وستأذن لي أن اشتري شموعا لنوقدها ونطفئها كما يفعل المتحضرون ..

قال الأب : لا يا ولدي ! لا تقم الليلة حفلة لزملائك ، ولا تنتظر مني هدية كالهدايا السابقة ، ولا تشتر شموعا .. إن هناك شيئا أهم من ذلك .. يجب أن تعد له نفسك الليلة .

أحس نجيب بخيبة أمل مرة ، فهذه أول مرة يجد من أبيه معارضة في رغبة معقولة ، وموضوع هام ، وصمت التلميذ الإعدادي يفكر في موقفه وموقف أبيه منه ، ومعارضته له في هذه النقطة بالذات ، لماذا يعارضه في إقامة الحفلة ؟ ولماذا يقطع عنه هذه العادة الجميلة ؟

هذه العادة التي طالما فرح بها ، وطرب لها ، وتاه بها على زملائه وأقرانه ، ما هو هذا الشيء الهام الذي يحول دون إقامة الحفلة؟ هل كان أبوه في مأزق حرج لم يسمع به ولم يتفطن له ؟ أم أن أباه رأى منه أو سمع في ما يسوءه فهو غير راض عنه ؟ وأحس الولد المؤدب أنه أطال الوقوف بجانب أبيه ، فحاول أن يعيد الحديث معه لعل الوالد الحنون يرجع عن رأيه ، أو لعله يفهم السبب … لكن الوالد أجابه في وقار وتصميم :

لا تفكر كثيرا ولدي .. إذهب الآن إلى مدرستك كما كنت تذهب في الأيام الماضية ، وعند الليل سوف نتحدث طويلا .

وهكذا انهارت الآمال الباسمة التي كانت تشرق في قلبه ، وطارت الأحلام الزاهية التي كانت تتراقص أمام عينيه ، وذابت الخيالات الجميلة التي كانت تملأ مخيلته ، وأعتمت الصورة(1) الحلوة التي رسمها الصبي الصغير وهو يفكر في دعوة الأتراب وحضور الأصحاب ، ودعابات الأصدقاء ، وضحكات الزملاء ، وجمال هدية الأب ، وإيقاد الشموع وإطفائها وقبلات الأم الحنون ، وتهاني الأصدقاء المخلصين …

مزق نجيب الكشف الذي أعده حين كان يضع تصميم الحفلة ، وذهب مكتئبا إلى المدرسة ، فأمضى فترة الدراسة على مضض(2) ، شارد الفكرة ، حائر النظر ، وما تمت فترة الدراسة حتى طار إلى البيت دون أن ينتظر الأصحاب …

وكان يأمل أن يجد أباه قد غير من رأيه ووافق على مشروعه الصغير ، فدخل البيت وسلم على الأب والأم ، وانتظر .. أنتظر أن يبدأه أحدهما فيحدثه عن عيد ميلاده ، ولكن الأبوين لم يتحدثا عن هذا الموضوع ، كأنهما كانا متفقين على عدم الخوض فيه ، استحي الولد المؤدب أن يسأل أباه من جديد ، وصبر على ألم ينتظر فرصة ينفرد فيها بأمه ليبثها أشجانه ، والأم دائماً هي مفرغ الشكوى لأن قلبها الكبير ، العامر بالحب والحنان يستطيع أن يلطف الآلام ويجنح الأحلام .. ولكن هذه الفرصة لم تسنح له ، فقد بقي الأبوان يتحدثان عن أمورهما العادية ، لا يشغلهما شيء حتى تم تناول الغذاء وما يتلوه ، وذهب الصبي إلى حجرته ليستريح قليلا من عناء دروسه اليومية .

قضى نجيب فترة الظهيرة ، ثم نهض مبلبل الفكر(1) ، شارد الذهن مشوش الخاطر ، محطم الآمال ، وتناول محفظته لينظر في واجباته المدرسية كما كان يفعل كل يوم ، ولكنه وجد حالته النفسية لا تساعده على العمل ، انه لا يفهم ما يقرأ ، لأنه لا يستطيع أن يحصر فكره في موضوع من مواضيع الدراسة ، ولذلك فقد استأذن أباه في أن يقوم بنزهة قصيرة ينطلق فيها بين الحدائق يعب النسيم(2) ، ويقطف الأزهار ، ويناجي الطيور

 

 

 

الصفحة الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تتطلب ذكر المصدر كاملا  عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع