مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة

فصول كتاب سمر أسرة مسلمة  

 

الليلة الثانية

مال الوالد بظهره إلى مسند الكرسي المريح ، ثم التفت إلى زوجه الحبيبة وقال : ما رأيك لو أعددت لنا كوبا من الشاي الأحمر الخفيف ، فإن حديثنا سيطول ، وسمرنا الليلة سيمتد .

قالت الزوجة : إني على استعداد لإحضار كل ما تطلبان .. فأنتما لا تزالان في عيدي نجيب ولدي الحبيب .

فضحك الولد وقال : إنها أول عيدين من أعياد ميلادي يمران دون حفلة أو دعوة أصدقاء ، وقد كنت قررت أن أزيد في حفلة هذه السنة إطفاء الشموع كما رأيت ذلك عند بعض الأصدقاء فإذا بالحفلة تلغى من أساسها .

فقال الأب وهو يبدي نصف ابتسامة : لماذا تنسيان انك في الليلة الأولى من ميلادك رجلا وميلادك مؤمنا ، والليلة الأولى للميلاد تمر دائما دون حفلة أو هدية أما إطفاء الشموع فهي عادة غربية بعيدة عن الأسر المسلمة ولا يستعملها إلا أولئك المفتونون الذين يعجبون بكل ما يأتي من الغرب فيقلدونهم حتى في أتفه الأمور فقامت الأم وهي ترنو(1) إلى زوجها ، وتحدث ولدها قائلة : إن أباك يا ولدي لا يريد أن يغلب في نقاش ، وبعد دقائق أقبلت وفي يدها إبريق من الشاي أفرغت منه كوبا لكل واحد منهم فارتشف منه في تلذذ واستمتاع .

قال نجيب : لقد كان قلت لي يا أبي حديثنا البارحة إنني أصبحت مؤمنا ، فهل كنت غير ذلك من قبل ؟

قال الأب : لقد إيمانك وكان عملك ، إيمان وعمل طفل غير مكلف يثاب على الإحسان ، ولا يؤاخذ على الإساءة ، أما الآن فقد أصبحت رجلا مكلفا ولذلك طلبت منك أن تعلن عن عقيدتك بملء حريتك وإرادتك ، وان تكون هذه العقيدة مبنية على ما وصلت إليه واقتنعت به ، بعد تفكير واستعمال للعقل ، فلما صرحت بأنك تؤمن بالخالق الأعظم للكون نتيجة لما تراه من آثار الخلق والطبيعة ، وأعلنت انك اخترت الإسلام دينا لك ، علمت أن الله يسر لك الهداية والتوفيق ، ولم يبق لك إلا أشياء يسيرة يجب عليك أن تعرفها وتؤمن بها وتعمل بمقتضاها حتى يتم إسلامك والحمد الله على هذه النعمة .

قال نجيب : إنني في شوق ولهفة إلى معرفة هذه النتائج يا أبي ..

قال الأب : لقد قلت يا بني انك تؤمن إن لهذا الكون خالقا اعظم ، فماذا تعتقد فيه ؟

قال نجيب : إنني لم أفكر في الخالق من قبل يا أبي ..

فتبسم الأب في سرور ثم قال : حسنا ما فعلت يا ولدي ، إن المؤمن لا يتفكر في الخالق ، ولكن يتفكر في المخلوق ، فان التفكير في المخلوق هو الطريق الصحيح إلى معرفة الخالق وصفاته وأفعاله .

قال نجيب : وهو يجهد نفسه ليفهم ما يرمي إليه الوالد المحب المؤمن .. ماذا تعني بذلك يا أبي ؟

قال الوالد : أن الخالق أعظم من أن يدركه عقل الإنسان أو تصل إليه حواسه ولذلك فيجب عليه أن يتجه بتفكيره إلى المخلوق ، لأن المخلوقات هي الأثر الدال على الخالق .

قال نجيب وهو لا يزال بجهد فكره ، فقد صعب عليه فهم حديث أبيه : إنني لم أتوصل إلى فهم الحقائق التي تشرحها لي يا أبي ، فهل تضرب لي أمثلة ليتضح المعنى المقصود ؟ ..

قال الأب : أن المخلوق محدود .

قال نجيب : ماذا تعني بكلمة محدود يا أبي ؟

قال الأب : إن المخلوق محدود بالعدم يا ولدي ، فهو لم يكن موجودا قبل أن يخلق ، وهو سوف يرجع إلى العدم أي الفناء في يوم ما ..

قال نجيب : نعم هذا صحيح فيما يظهـر ولكني أريد له مزيد بيان وإيضاح .

قال الأب : إن مدينتنا (1)هذه قديمة فيما ترى ؟

قال نجيب : نعم فلقد قال لنا مدرس التاريخ إنها تكونت قبل ألفي سنة .

قال الأب : وهل تعتقد أن هناك مدنا أقدم منها ؟

قال الولد : هذا أمر طبيعي .

قال الأب : وتعتقد أن الأرض هي أقدم من جميع المدن التي بنيت عليها ؟

قال الولد : هذا أمر لا يحتاج إلى بحث ولا يحتمل الشك .

قال الأب : هل تعتقد أن الأرض سبقت الشمس إلى الوجود ؟

قال نجيب : بل قرأت في بعض الكتب أن الأرض هي التي انفصلت عن الشمس فتكون الشمس أقدم من الأرض .

قال الأب : وهل تعتقد أن الشمس مسبوقة بمخلوقات أخرى ؟

قال نجيب : بعد تفكير : هذا محتمل .

قال الأب : فأنت ترى أن جميع هـذه المخلوقات وان تفاوتت في القدم فان لها بداية .

قال نجيب : هذا صحيح .

قال الأب : وكذلك جميع المخلوقات التي لم نتحدث عنها مهما كانت متغلغلة في القدم فان لها بداية .

قال نجيب : ما دامت موصوفة بأنها مخلوقة فلا بد أن تكون لها بداية وبدايتها اليوم الذي خلقت فيه .

قال الأب : وهل ترى أن هذه الأشياء ، أو بعضها خالدة لا يتناولها الفناء ؟

قال نجيب : بل أعتقد أن جميع هذه الأشياء ستفنى ، إن الشيء الذي أوجد من العدم لا يستعصي على الفناء(1) .

قال الأب : فأنت ترى أن جميع المخلوقات محدودة بالبداية والنهاية .

قال نجيب : هذا ما وصلنا إليه وتحققناه .

قال الأب : وما دامت البداية من صفات المخلوق فإنـها لا تكون من صفات الخالق .

قال نجيب : تعني انه ما دام قدم المخلوق له بداية وبقاؤه له نهاية فان الخالق قديم بلا بداية باق بلا نهاية .

قال الأب : ذلك ما أعنيه .

قال نجيب : أهذا ما تقصد بقولك إن المخلوق محدود ؟

قال الأب : هذا بعض ما أقصد ، فأنت تدرك الآن إن جميع المخلوقات محدودة بالبداية والنهاية أو بالأولية والآخرية .

قال نجيب : نعم ، وما هي الحدود الأخرى ؟

قال الأب : هل تعرف القمر ؟

نظر نجيب إلى أبيه متفرسا (1)ثم قال : أني أعرفه .

قال الأب : وكيف تعرفه ؟

وفكر الولد قليلا ثم قال : كما أراه .

قال الأب : وهذه حدود أخرى تتناول المخلوق .

قال نجيب : وما هي هذه الحدود ؟

قال الأب : إن ما يدخل في نطاق الرؤية أو التصور أو التخيل لابد أن يكون محدوداً بالشكل واللون والحجم والزمان والمكان أو ببعضها .

وفكر نجيب لحظة لعله يجد شيئا يدخل في نطاق رؤيته أو تصوره أو خياله دون أن يخضع لهذه فلم يجد ، فأجاب قائلا :

يظهر أن المخلوقـات حتى التي لا ترى لابد أن تكون محدودة بهذه الحدود أو ببعضها .

قال الأب : وما دامت هذه الحدود من صفات المخلوق فإنه يستحيل أن تكون من صفات الخالق .

قال نجيب : يعني أن الخالق قديم بلا بداية باق بلا نهاية منزه عن الشكل والحجم واللون لا يحويه زمـان لأنه هو الذي خلق الأشكـال والألـوان والحجوم (2)والأزمنة والأمكنة .

قال الأب : لقد أحسنت تلخيص موضوع مناقشتنا الماضية يا ولدي ولو زدت فقلت لا يشبه شيئا من خلقه ، ولا يشبهه شيء من خلقه ، لكان تخليصك للموضوع كاملا مستوفيا .

قال نجيب : لقد اعتقدت إن نفي الحدود عنه تعالى كاف في نفي التشبيه

قال الأب : هذا حسن ولكن يجب أن تدرس كتاب الله الكريم ، وتكثر من التأمل فيه وتجعل أساس توحيدك قوله تعالى : [ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّـمِيعُ الْبَصِير] (1) .

قال نجيب : إني حفظت الربع الأخير من كتاب الله وهذه الآية الكريمة من سورة الشورى كثيرا ما كنت أتلوها ولكني لم أفكر في معناها من قبل .

قال الأب : انه لا شيء يملأ قلب الإنسان بالإيمان والاطمئنان مثل تدبر معاني القرآن الكريم .

قال نجيب : سوف أضع في مخطط عملي اليومي حصة لتلاوة القرآن الكريم في تدبر وإمعان ثم التفت إلى أمه التي كانت جالسة تصغي أليهما في انتباه قال : أراك لا تشاركيننا في الحديث يا أماه .

قالت الأم : أنتما يا ولدي تتحدثان عما يدفع الإنسان إلى الإيمان بالخالق الأعظم ، وأنا عجوز مؤمنة بربي إيمانا خالصا والعلماء يا بني يضربون المثل بثبات إيمان العجائز فليس هناك شيء يبعث الشك أو الحيرة إلى قلبي .

قال نجيب ضاحكا : إنك ما زلت شابة يا أماه ! .. وسوف أدعو الله تبارك وتعالى في أعقاب (2)هذه الليلة أن يرزقك بنتا تملأ عليك فراغ وقتك ، وتؤنس وحدتك ، وتقتبس من إيمانك وخلقك وعلمك ، وتكون لوالدي نعم البنت ، ولي نعم الأخت فارتفعت عينا الأم إلى السماء كأنها تبتهل إلى الله أن يستجيب دعوة ولدها البار .. ثم قالت لقد تناولت مناقشتك بعض صفات البارئ  فهل تظن أن هذا ما يجب أن يعرفه المؤمن ؟

قال نجيب : إنني أظن ذلك ولكنني في انتظار مزيد من المعلومات في مناقشتنا التالية :

قال الأب : لقد استنتجنا من أحاديثنا السابقة أن الخالق الذي هو الله قديم باق ليس كمثله شيء ولكننا لم نذكر أنه موجود .

قال نجيب : ما دمنا آمنا أنه قديم وباق فلابد أن نؤمن بأنه موجود ثم من يستطيع أن ينكر وجود الله وهو يرى آثار وجوده في خلقه ؟ .

قال الأب : أحسنت يا ولدي ولكن يجب أن تعرف أن وجوده لم يسبق بعدم ولا يلحقه فناء .

قال نجيب : هذا شيء بديهي فلو سبق بالعدم لكان مخلوقا ولو لحقه الفناء لكان شبيها بالمخلوق تعالى عن ذلك علوا كبيراً .

قال الأب : أحسنت يا بني انك تفكر كفيلسوف مسلم .

قال نجيب : ذلك بفضل الله وحسن إرشادك وتوجيهك يا أبي .

قال الأب : وكما يجب أن تعرف إن الله موجود ، يجب أن تعرف أنه واحد لا شريك له في ملكه .

قال نجيب : لو كان له شريك في الملك لظهر أثر الخلاف والنزاع على هذا العالم ولو كان معه إله ثان لافتقر أحدهما إلى الثاني والافتقار إلى الغير لا يكون من صفات الخالق أو لاستغنى القادر منهما عن العاجز والعجز يستحيل أن يكون من صفات الله .

قال الأب : قلت من قبل انك تفكر تفكير فيلسوف مسلم فان هذه النظريات (1)هي بعض ما يقوله علماء الإسلام عندما يقيمون الحجة على وحدانية الله تعالى على المشككين .

قالت الأم وهي تبتسم : لماذا تتوجه دائما بحديثك إلى نجيب وتتناساني هل تعتقد حقا إني عجوز مؤمنة دون تفكير أو اقتناع ؟

فأجاب الزوج : إن كلمة العجائز مما يستوي فيه المذكر والمؤنث فهي تطلق على الطاعنين (1)في السن من الجنسين ، والعلماء حين ضربوا المثل بإيمان العجائز لم يقصدوا عجائز النساء دون الرجال ، وانما كانوا يقصدون إن العجائز من الجنسين قد انتهى بهم العمر إلى مرحلة الاستقرار العقلي ، وان عقائدهم أصبحت ثابتة راسخة لا يخشى عليها مما تثيره شبهات المشككين أو الشاكين .

فقالت الأم : أرأيت يا ولدي أباك لا يريد أن يغلب في نقاش ، فهو يلتمس حديث جوابا ، كأنه يعلم كل صغيرة وكبيرة في الحياة .

قال نجيب : إنني فخور بكما يا أماه ..

قال الأب : وهو متجه إلى ولده الذي كان على استعداد للسماع والفهم لقد وصفتني أمك بأنني أكاد أعلم كل صغيرة وكبيرة في الحياة ، فهل توافقها على هذا الرأي ؟

قال الولد : حقا انك واسع الاطلاع يا أبي … ما وجهت إليك سؤالا قط فلم أجد عندك الجواب الشافي ، ولقد استمعت إليك كثيرا في أحاديثك مع الزوار فلم أرك تعيا بجواب ، أو تقف في مناقشة .

قال الأب : لقد أحسنت يا ولدي في تعبيرك حين قلت إنني واسع الإطلاع فإن كلمة الإطلاع مناسبة جدا في وصف معارف الإنسان فهي تعني أن الشخص يعرف الأشياء التي اطلع عليها ، ويجهل الأشياء التي لم يتح له أن يطلع عليها ، ومعنى هذا أن علمه مهما كان واسعا محدود .

قال الولد : هذا طبيعي فيما يظهر فإنه إذا كان الإنسان نفسه محدوداً فلا بد أن تكون جميع صفاته محدودة وبالنسبة إلى العلم فلابد أن تكون هناك أشياء كثيرة يجهلها .

قال الأب : ولماذا ترى أن الإنسان تخفى عليه أشياء كثيرة ؟

ففكر نجيب مليا ثم قال : خلق الإنسان في زمن من الأزمنة ، بحواس محدودة ، وهناك أشياء سبقته فهو لا يعرفها ، وهناك أشياء كثيرة ستحدث بعده فهو أيضا لا يعرفها ، أما الأشياء التي كانت في زمانه فإنه يعرف منها ما اتصل بإحدى حواسه .

قال الأب : أحسنت يا ولدي فلقد أجبت بعين الصواب ، فإن علم الإنسان مهما كان واسعا يسبقه جهل كثير ، ويعقبه جهل كثير ، ويكتنفه(1) جهل كثير ، ولكن ألا ترى انه قد تكون هناك مخلوقات سمعت عنها أو لم تسمع – هي أطول أعماراً من الإنسان واكثر علما .

قال نجيب : هذا جائز ولكنني اعتقد إن الفرق بين علم الإنسان وعلم تلك المخلوقات في الكم فقط فقد يكون علمها أوسع ومعارفها أغزر ، وأعمارها أطول إلا أنها محدودة بالبداية والنهاية والزمان والمكـان وجهل ما لم يتح لها الإطلاع عليه .

قال الأب : كأنك تريد أن تشـير إلى الفرق بين علم الخالق وعلم المخلوق .

قال نجيب : يبدو لي يا أبي إن معارف المخلوق لا تستحق أن توصف بأنها علم إلا على المجاز .

قال الأب : توصف معارف الإنسان بالعلم كما توصف الأشياء التي مرت عليها أزمنة طويلة بأنها قديمة وكما توصف الأشياء المتينة التي تتحمل أعباء السنين وتقاوم الاستهلاك لمدة أطول بأنها باقية .

قال نجيب : وقد تحققنا إن المخلوقات الباقية مهما امتد بها الزمن منتهية إلى الفناء وأن علم المخلوق مهما عظم واتسع محدود بالجهل في بدئه ونهايته ، مكتنف به من جميع جهاته .

قال الأب : ومعنى هذا أن الله سبحانه وتعالى قديم ليس له أولية ، باق ليس له آخرية عليم بما كان وما يكون وما هو كائن[ عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ] (1).

وعلى هذا المثال جميع صفات الباري سبحانه وتعالى من القدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر .

قالت الأم : أي أن صفات الباري  كاملة لا يعتريها نقص ولا تشبه صفات المخلوقين لأنها عين ذاته تعالى ليست زائدة عن الذات ولا قائمة بها فهي موجودة بوجود ذاته تعالى قديمة بقدمها باقية ببقائها كاملة بكمالها .

قال نجيب : أما صفات المخلوقين فهي خارجة عن ذواتهم تقوم بها أو تحل فيها ، فإن المخلوق يكون عاجزا حتى إذا استطاع أن يقوم بعمل وصف بالقدرة عليه ويكون جاهلا فإذا عرف شيئا وصف بالعلم به وهكذا بقية الصفات .

قال الأب : إن تفكيرك سديد يا ولدي وقد انتهيت تقريبا إلى ما يجب عليك معرفته من صفات الله عز وجل ومعنى الوصف له بهذه الصفات إنما هو نفي أضدادها فالله تعالى حي ليس بميت عالم ليس بجاهل قادر ليس بعاجز ، مريد ليس بمستكره ، متكلم ليس بأخرس سميع ليس بأصم بصير ليس بأعمى سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا .

قالت الأم وكانت تسمع لهما في شغف ولذة : لقد امتد نقاشنا وبدأت السهرة تطول .

فقال الأب مستغربا سلوك زوجته التي قطعت عنه حديثه : أتستكثرين علينا ساعة من زمان نأوي فيها إلى ربنا ونتحدث بنعمته يا أم نجيب ؟

قالت الأم : معاذ الله أن أستكثر حديثا في الإيمان والتوحيد مهما طال ولكنني أردت أن أثير سؤالا جديدا ، فأنا فيما عرفت من سيرة رسول الله  ودعوته للناس إلى الإسلام لم أعلم أنه كان يتعرض لمثل هذه المباحث والمناقشات وإنما كان يدعو إلى جملة التوحيد فإذا استجيب له قال لأصحابه  : (( فقهوا أخاكم في الدين أو علموه الفرائض )) (1).

قال الأب : إن ما تقولين يا أم نجيب صحيح لأن الناس في ذلك الحين لم يكونوا يتعرضون لما يتعرض له الناس اليوم وأنا أعرف أن ولدك نجيب معرض في دراساته المقبلة ومطالعاته الحرة إن تعرض عليه عقائد وفلسفات شتى ، كثير منها تساند ديانات باطلة ، أو تؤيد وثنيات موجودة فأحببت أن يتفتح عقله على التفكير السليم ، ويمتلئ قلبه بالعقيدة الصحيحة ، حتى إذا عرضت له الشبه ووضعت بين يديه العقائد الخاطئة ناقشها بعقل نير متمرن على التفكير السليم .

وقالت الأم : كنت أتوقع أن تروي له قول بعض علماء الإسلام ( كلما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك ) (2).

وقبل أن يجيب الأب قال نجيب : أن هذا الأثر تعبير رائع يا أماه عن عدم مشابهة الله للخلق وعدم مشابهة الخلق له  ..

قالت الأم : إن علماء الإسلام يا ولدي وهم يستضيئون بنور الله قد استطاعوا أن يضعوا معالم على طريق الإيمان لا يخطئها السالكون وقد عبر بعضهم عن ذلك بقوله : ( الطريق محفورة إلى الركبة فلا يخرج منها إلا بالوثبة )(1)وعندما تقرأ كتب أعلام الإسلام في مختلف عصوره فسوف تجد فيها من الروعة ومن المتعة الروحية والعقلية ما لن تجده فيما يكتبه غيرهم من الناس … وكأنما شعرت الأم إنها أخذت الحديث عن زوجها فالتفتت إليه قائلة : ألست ترى ذلك يا أبا نجيب ؟

قال الأب : إن الأبوين المسلمين لا يختلفان في الرأي لا سيما إذا كان هذا الرأي يتعلق بحقائق أثبتها التاريخ وقام عليها البرهان في كل مكتبة ، لقد صدقت أمك يا نجيب في حديثها عن أعلام الإسلام وفي مكتبتي طائفة من الكتب تستطيع أن تجد فيها ما يفتح لك آفاق المعرفة ، ويوصلك إلى الحق .

قال نجيب : إنني سوف أخصص في مطلعاتي الحرة حصة للكتب الإسلامية ، فهل تساعدني يا أبي على ذلك .

قالت الأم : إن توجهيك في هذه السن ولو انك أصبحت رجلا من صميم عملي لا سيما وأبوك كثبر الأشغال لا يجد فراغ من الوقت إلا اللحظات القصيرة التي يخصصها للاستراحة من عناء مجهود متواصل .

ومنذ الغد سوف أضع بين يديك كشفا يحتوي على الكتب الإسلامية التي تناسب سنك وثقافتك ويحسن بك أن تطالعها ، وما لم يكن منها موجودا في مكتبة أبيك أعمل على جلبه من المكتبات .

قال نجيب : شكر الله لك يا أماه وبارك فيك .

قال الأب : يحسن أن ننهي سمرنا هنا فقد طال بنا الحديث .

فقام نجيب بعد أن دعا لأبويه بالصحة والعافية والسلامة ثم ذهب إلى حجرة نومه

 

 

 

الصفحة الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تتطلب ذكر المصدر كاملا  عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع