الليلة الثانية عشر
اجتمعت الأسرة
كالعادة ، وأحضرت الأم أواني الشاي الليبي ، ولما جلست افتتحت
الحديث فقالت : أرى يا أبا نجيب أن تعود إلى أسمارنا السابقة فتشرح
لنا بعض ما تحدثنا عنه ولم نستوف عنه الحديث .
قال الأب
: بل يحسن أن يحدثنا نجيب عن تلك الأسمار وقد نوجه إليه أثناء ذلك
أسئلة فإن أجاب بالصواب كان ذلك المطلوب وإن أجاب بالخطأ صححنا له
ما أخطأ فيه .
قالت الأم
: حسناً ! هو ذلك .
قال نجيب
: إني أذكر سمر ليلة والمواضيع التي تناولناها على الإجمال ولكما
أن توجها إلي أسئلتكما .
قال الأب
: إذن فابدأ باسم الله .
قال نجيب
:
الليلة الأولى : تحدثنا فيها عن
كيفية الغسل وعن البلوغ ، وعن وجوب الإيمان بالله بطرية العقل .
قال الأب
: وعماذا تحدثنا في الليلة الثانية .
قال نجيب
: تحدثنا عن معرفة توحيد الله وما يجب في حقه تعالى وما يجوز وما
يستحيل .
قال الأب
: هل تذكر ما هو أول الواجبات .
قال نجيب
: هو معرفة الله تعالى .
قال الأب
: وما هي مواضيع الليلة الثالثة .
قال نجيب
: تحدثنا عما يجب أن يعتقده المسلم في الله وجودا أو عدم ، نفياً
وإثباتا ، وعن الجملة التي يدعو إليها رسول الله r ، وعن قيام
الحجة السماعية ، وعن الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم السلام ،
وبالكتب المنزلة عليهم وعن حكم دماء المسلمين وأموالهم وحكم دماء
المشركين وأموالهم .
قال الأب
: هل تذكر الأنبياء الذين يجب معرفتهم بالتفصيل .
قال نجيب
: يجب أن نعرف سيدنا محمداً r وسيدنا آدم u بالتفصيل ونعرف من
الكتب المنزلة القرآن الكريم فهذا لا يتم التوحيد إلا بمعرفته ،
أما بقية الأنبياء والرسل والكتب فيجب الإيمان بهم على الجملة إلا
من قامت الحجة .
قال الأب
: عماذا تحدثنا في الليلة الرابعة ؟
قال نجيب
: تحدثنا عن كيفية نزول الوحي وعن الإيمان بالأنبياء والرسل والكتب
والملائكة وعن الإيمان بالحقائق المترابطة .
قال الأب
: ماذا تعني بالحقائق المترابطة ؟
قال نجيب
: هي الموت والبعث والحساب والثواب والعقاب .
قال الأب
: ولماذا سميتها الحقائق المترابطة ؟
قال نجيب
: لأن كل واحدة منها مرتبطة بالأخرى ومترتبة عليها ، فالبعث مرتبط
بالموت ومترتب عليه والحساب مرتبط بالبعث ومترتب عليه والثواب
والعقاب مرتبطان بالحساب ومترتبان عليه .
قالت الأم
: لقد أحسنت في هذا التعريف يا ولدي فهو من تعبيرك أنت .
قال الأب
: عماذا تحدثنا في الليلة الخامسة ؟
قال نجيب
: تحدثنا عن وجوب معرفة أن الله بطاعته وأوجب عليها الثواب ونهى عن
معصيته وأوجب عليها العقاب وتحدثنا عن الولاية والبراءة والوقوف .
قال الأب
: فعماذا تحدثنا في الليلة السادسة ؟
قال نجيب
: تحدثنا عن تحريم مسايرة الفساق والمنافقين في المعصية وتحدثنا عن
مقارنة المعصية واستحلالها وتحدثنا عن ولاية البيضة وبرائتها .
قال الأب
: فما هي الأحاديث التي دارت بيننا في الليلة السابعة .
قال نجيب
: لقد كان حديثنا في الليلة السابعة
عن القضاء والقدر .
قال الأب
: فماذا تناول حديثنا في الليلة الثامنة
؟
قال نجيب
: تحدثنا عن المنكر الحكم من أحكام الإسلام وعن المستحل لما حرم
الله وعن المقارف للمعصية وأجرينا مقارنه في المعاصي ثبت بها
تفاوتها في الفحش والفظاعة وتفاوت حكم العقوبة عليها .
قال الأب
: فما هو سمر الليلة التاسعة ؟
قال نجيب
: تحدثنا عن حكم المستحل لما حرم الله بتأويل الخطأ وعن حكم الناسي
وحكم الجاهل وعما لا يسع جهله طرفة عين وعما يسع جهله إلى الورود
وما يسع جهله دائما ، وعن الإلزام المضيق والإلزام الموسع وعن معنى
مقارفة المعصية .
قال الأب
: فماذا تناول حديثنا في الليلة العاشرة
؟
قال نجيب
: تناول حديثنا في تلك الليلة العاشرة التفريق بين كبائر الشرك
وكبائر النفاق والطاعة والمعصية ولمن والدلائل ، والخوف والرجاء .
قال الأب
: فماذا تحدثنا في الليلة السابقة .
قال نجيب
: تحدثنا عن معنى الإيمان والإسلام والدين والتوحيد وتحدثنا عن
أسهم الإسلام حسب الاصطلاح الذي وضعه أو حفص بن جميع ، وتحدثنا عن
مصادر التشريع الإسلامي ، وتحدثنا عن الأسس التي ينبني عليها
الإسلام ، وتحدثنا عن الأشياء التي يرتفع بها بناء الإسلام ،
وتحدثنا عما يتميز به الدين ، وتحدثنا عما يحرز به المسلم دينه ،
وتحدثنا عن حدود الدين ، وتحدثنا عن الأركان التي ينتهض بها الكفر
.
قال الأب
: أحسنت أيها الولد الذكي فلقد
لخصت أهم المواضيع التي تناولناها بالحديث في أسمارنا السابقة .
قال نجيب
: هذا كل ما استطعت تذكره الآن ولو زدتني سؤالاً آخر ما استطعت
عليه جواباً .
قالت الأم
: وهي تمد الشاي إلى زوجها وولدها : لقد وفقت في الامتحان يا ولدي
وأجبت إجابات مرضية ومع ذلك فإنني عازمة أن أثير أسئلة عن معنى بعض
الكلمات ليشرحها أحدكما حتى نتأكد أننا درسنا مواضيع سمرنا دراسة
كاملة واضحة مفهومة .
قال الأب
: حسناً تفعلين .
قال نجيب
: إنني سوف أسجل ما تسألين عنه وما تجابين به .
قال الأب
: أو لم تكن تفعل ذلك كل ليلة بعد السمر ؟
قال نجيب
: كنت أفعل ذلك بعد أن ينتهي السمر وقد أنسى بعض النقط الدقيقة
والملاحظات اللطيفة أما إذا كتبت أثناء الحديث فإنني سوف أسجله كما
يدور بيننا .
قال الأب
: افعل ما تراه أيسر لإفادتك يا بني .
قال نجيب
: وقد أعد قلماً وورقاً ، إنني في انتظار أسئلتك يا أماه فإنها
لابد أن تكون شيقة ومفيدة وان تكون إجابات أبي وافية وواضحة .
قال الأب
: كأنكما اتفقتما أن تجريا لي امتحانا .
قال نجيب
: كما يمتحن الأبناء آبائهم والتلاميذ أستاذهم .
قال الأب
: أما وقد اتفقتمـا فلا بأس ، هيا أسألي أيتها الزوجة الفيلسوفة .
قالت الأم
: فأنا أذكر الكلمة وأنت تذكر تعريفها أو تشرح معناها .
قال الأب
: موافق يا ستي فابدئي .
قالت الأم
: كل عمل خلا من النية فهو باطل فما هي النية ؟
قال الأب
: النية هي إخلاص العمل الله وطلب المنزلة عنده .
قالت الأم
: ] وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ
رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأمْرِ
لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ
وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ
وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ
[ (1). فما هو الإيمان ؟
قال الأب
: هو التصديق بالخالق ومعرفة توحيد الله وعبادته والعمل بما يقتضيه
ذلك التصديق .
قالت الأم
: ] إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ
الإِسْلاَمُ [ (*)فما هو الإسلام ؟
قال الأب
: هو الخضوع والانقياد لأحكام الله والامتثال لأوامره ولا يكون ذلك
كاملاً إلا إذا صدر من القلب واللسان والجوارح .
قالت الأم
: ] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلاَمَ دِينًا [ (**)فما هو الدين
؟
قال الأب
: الدين هو أن تعرف ما أوجب الله عليك وما نهاك عنه وان تطيعه في
أمره ونهيه .
قالت الأم
: إن سأل سائل فقال ما أصل الدين فقل الدين هو التوحيد فما هو
التوحيد ؟
قال الأب
: التوحيد هو إثبات الوحدانية للخالق .
قالت الأم
: فما هي كلمة الشهادة ؟
قال الأب
: هي الجملة التي يدعو إليها رسول الله r وهي أن يشهد المكلف إن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله وان ما جاء
به حق من عند الله وتسمى كلمة التوحيد أيضا .
قالت الأم
: العلم فريضة على كل مسلم فما هو العلم المفروض على جميع المسلمين
.
قال الأب
: العلم هو معرفة الأشياء على حقيقتها والمفروض منه هو معرفة ما
يجب أن يعتقده الإنسان ويقربه وما يجب عليه عمله وما يجب عليه تركه
وما يجب عليه عمله الوقوف فيه .
قالت الأم
: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
[ (1)فما هو الظن ؟
قال الأب
: هو ترجيح أحد أمرين ممكنين .
قالت الأم
: ومن أنكر جملة من الأنبياء فهو مشرك والشاك في شركه مشرك ، فما
هو معنى الشك ؟
قال الأب
: الشك هو التردد بين الطرفين وعدم ترجيح أحدهما على الآخر ؟
قالت الأم :
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ
تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا للهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا
[ (1) فما هي الولاية ؟
قال الأب
: الولاية هي المحبة وفي الاصطلاح
الشرعي هي محبة المسلمين الموفين بدين الله .
قالت الأم
: ] بَرَاءَةٌ مِّنَ اللهِ
وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّـم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ [
(2)ما معنى البراءة ؟
قال الأب
: هي المنابذة والخلوص والابتعاد وفي الاصطلاح الشرعي بغض أعداء
الله جميعاً وعدم الركون إليهم .
قالت الأم
: المؤمن وقاف فما معنى الوقوف ؟
قال الأب
: الوقوف إن لا يقدم الإنسان على شيء يجهل حكمه وان لا يبادر إلى
حب أو بغض من لا يعرفه .
قالت الأم
: ترد في الكتب كلمة الفرض والواجب فهل هما كلمتان مترادفتان ؟
قال الأب
: أكثر العلماء يرى أنهما تستعملان لمعنى واحد ويقول بعضهم إن ما
وجب بالقرآن هو الفرض وما وجب بالسنة وهو الواجب .
قالت الأم
: يرد في الكتب أن الإيمان توحيـد وغير توحيد فما معنى ذلك ؟
قال الأب
: الإيمان الذي هو توحيد هو التصديق بالجمل الثلاثة والإقرار بها
وسائر خصال التوحيد التي تحدثنا عنها في الأسمار السابقة ، أما
الإيمان الذي هو غير توحيد ففعل جميع الفرائض والسنن والنوافل
تقربا لله تعالى وترك جميع المحرمات والمكروهات طاعة لله تعالى .
قالت الأم
: يرد في الكتب أن التوحيد قول وعمل فما معنى هذه العبارة ؟
قال الأب
: يعني إن التوحيد تصديق بالقلب والتصديق من عمل القلب وإقرار
باللسان فلا يغني التصديق عن الإقرار ولا يغني الإقرار عن التصديق
، فلابد أن يجتمع القول الذي هو إقرار باللسان وعمل وهو التصديق
بالجنان .
ويقول المحققون أن
العمل شامل للاعتقاد والعمل بالجوارح لأن الاعتقاد من عمل القلب ،
والقيام بالفرائض بأنواعها هو العمل من الجوارح ، هذا ما يدل عليه
الكتاب والسنة .
قالت الأم
: يرد في الكتب إن الإلزام على وجهين : موسع ومضيق ، فما معنى هذه
العبارة ؟
قالت الأم
: الإلزام هو التكليف والمضيق هو ما كان وقته غير زائد على فعله
وذلك كالتوحيد وآخر أوقات الفرائض ، والموسع هو ما كان وقته أوسع
من فعله أو زائد على فعله وذلك كتفسير معاني التوحيد وأوائل أوقات
الفرائض ، وقد تعرض أبو العباس الشماخي لهذين السؤالين فقال : "
الإلزام يكون توحيد أو غير توحيد ، والتوحيد يكون قولاً وعملاً كما
تقدم بيانه ، وغير التوحيد إما فرض مضيق أو موسع ، أو فرض عين أو
تخيير أو كفاية "(1) .
قالت الأم
: تردد في الكتب كلمتا الوعد والوعيد فما معناها ؟
قال الأب
: إن الوعد والوعيد هو إجراء الخير والوعيد هو إجراء العقوبة أما
أنا فأقول إن الوعد في الدنيا معناه تقرير الثواب وفي الآخرة هو
تحقيه وان الوعيد في الدنيا هو تقرير العقاب وفي الآخرة هو تنفيذه
.
قالت الأم
: يرد في الكتب إن الكفر على وجهين فما معنى هذه العبارة ؟
قال الأب
: إن كلمة الكفر تطلق على أحد معنين فهي إما أن تكون بمعنى الشرك
وإما بمعنى النفاق وعندما تطلق كلمة الكفر على الموحدين فيعني بها
النفاق وهو ما يعبر عنه بعض العلماء بكفر النعمة وأهل الحديث بكفر
دون كفر .
قالت الأم
: يرد في الكتب أن الشرك على وجهين : شرك جحود وشرك مساواة فما
معنى هذه العبارة ؟
قال الأب
: شرك الجحود وهو إنكار وحدانية سبحانه وتعالى أما شرك المساواة
فهو مساواة الله سبحانه وتعالى بخلقه في صفة أو فعل أو ذات تعالى
الله عن ذلك علواً كبيراً .
قالت الأم
: يرد في الكتب أن النفاق على
وجهين : نفاق خيانة ونفاق تحليل وتحريم فما معنى هذه العبارة .
قال الأب
: نفاق الخيانة هو تضييع الفرائض وارتكاب الكبائر بشهوة .
ونفاق التحليل
والتحريم : هو قول غير الحق وارتكاب بتأويل وديانة .
قالت الأم
: بقي لي سؤال واحد أرجو أن تتناوله بشيء من التفصيل .
قال الأب
: إنني لن أذكر كلمة واحدة قبل أن أشرب كوب الشاي .
قالت الأم
: وأنا الأخرى أريد أن أشرب كوباً ثم أخذت الإبريق وأفرغت منه
ثلاثة أكواب مدت منها لزوجها وولدها وأخذت لنفسها وأخذ أفراد
الأسرة يرتشفون الشاي في تلذذ وصمت وبعد أن أتم الزوج ارتشـاف
الكأس تنحنح وقال :
هيا أيتها السائلة
الملحاحة هات ما عندك .
قالت الأم
: أنعم الله عليك أيها الزوج الصبور .
قال نجيب
: وهو يبتسم ، هل أسجل هذه الدعوة الحارة يا أماه .
قالت الأم
: وهي تبتسم لا يا ولدي فإن هذه الدعوة تسجلها الملائكة ويستجيب
الله لها .
قال نجيب
: فماذا أسجل ؟
قالت الأم
: سجل ما يأتي أيها الولد الذكي ، ثم التفتت إلى زوجها وقالت
: يرد في الكتب أن الملل ست(1) فما معنى هذه الكلمة
.
قال الأب
: الأصل في ذلك قوله تعالى : ]
إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا
(2) وَالصَّابِئِينَ
(3) وَالنَّصَارَى (4)
وَالْمَجُوسَ(5) وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ
يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ شَهِيدٌ [ (6)
فقد ذكرت الآية الكريمة ملل ست طوائف من الناس وهم الذين آمنوا
والذين هادوا والصابئون والنصارى والمجوس والذين أشركوا .
قالت الأم
: هل تختلف الأحكام على هؤلاء ؟
قال الأب
: بطبيعة الحال فإن الإسلام قد أبطل جميع الأديان التي سبقته وعلى
الأمة المسلمة أن تبلغ دعوة الله إلى غيرها من الأمم والشعوب .
قالت الأم
: وهل بقية الأديان متساوية في أجراء الأحكام عليها ؟
قال الأب
: إن أهل الأديان الأخرى ينقسمون إلى ثلاثة أقسام بالنسبة إلى موقف
الإسلام منهم .
قالت الأم
: هل لك يا أبا نجيب أن تشرح ذلك بشيء من التفصيل ؟
قال الأب
: إن أهل الملل إما أن يكونوا أصحاب كتاب أو مشركين أو مذبذبين بين
أهل الكتاب والمشركين .
قالت الأم
: هل تضرب لهذه الأقسام أمثلة ؟
قال الأب
: إن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى والصابئون والمذبذبون هم
المجوس ، أما بقية أصحاب الملل الأخرى فهم مشركون كالوثنيين
والطبيعيين وغيرهم ممن يكفر بالله .
قالت الأم
: فما هي الأحكام الخاصة بأهل الكتاب ؟
قال الأب
: إذا رضي أهل الكتاب بحكم الإسلام وخضعوا لقوانينه وأعطوا الجزية
للدولة المسلمة وسكنوا في بلدان الإسلام فإن حقهم على المسلمين أن
لا يؤذوهم وأن يسمحوا لهم بالقيام بعباداتهم وطقوسهم الدينية وان
يعطوهم الحرية الكاملة في العمل من أجل الحياة وحل للمسلمين أن
يتزوجوا من نسائهم وأن يأكلوا من ذبائحهم شريطة أن تكون تحت رقابة
المسلمين ، أما إذا لم يكونوا تحت حكم المسلمين فحكمهم حكم
المشركين فلا يحل التزوج من نسائهم ولا أكل ذبائحهم ولا أن يفتحوا
لهم مجال الحياة الحرة في ديارهم ، انهم معارضون لدعوة الله وكل من
اعترض سبيل الله يجب أن يقف معه المسلمون موقف الصرامة والشدة .
قالت الأم
: فماذا تقول في هؤلاء الشباب الذين يتزوجون كل يوم من أوربا ؟
قال الأب
: ماذا أقول غير أنهم ارتكبوا أفظع جريمة في حق دينهم وحق وطنهم .
قالت الأم
: انهم يستندون إلى قوله تعالى : ]
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا
آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ(1)
وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [ (2).
قال الأب : استمعي
إلى ما يقول أحد علماء الإسلام المعاصرين في تفسير هذه الآية
الكريمة : (( وهنا نطلع على صفحة جديدة من صفحات السماحة الإسلامية
فالإسلام لا يكتفي بأن يترك أهل الكتاب لما يعتقدون إلا أن يفيئوا
هم إليه راضين ، لا يكتفي بأن يترك لهم هذه الحرية ، ثم يعتزلهم
فيصبحون في المجتمع الإسلامي مجفوين (3)معزولين إنما
يشملهم بجور المشاركة الاجتماعية ، والمودة والمجاملة والخلطة
فيجعل طعامهم حلالا للمسلمين وطعام المسلمين حلالا لهم كذلك ليتم
التزاور والتضايف والمخالطة الاجتماعية السمحة ، وكذلك يجعل
العفيفات من نسائهم طيبات للمسلمين ، يقرن ذكرهن بالعفيفات من
المسلمات وهي سماحة لا يفيض بها إلا الإسلام من بين سائر الأديان ،
فإن الكاثوليكي المسيحي ليتحرج من نكاح الأرثوذكسية البروتستاتنية
أو المسيحية المارونية ولا يقدم على ذلك إلا المتحللون عندهم من
العقيدة .
وهكذا يبدوا إن
الإسلام هو العقيدة الوحيدة التي تسمح مع المحافظة عليها في الضمير
بقيام مجتمع عالمي لا عزلة فيه بين المسلمين وأصحاب الديانات
الكتابية الأخرى ولا حواجز بين أصحاب العقائد المختلفة التي تظلهـا
راية المجتمع الإسلامي .
قال نجيب
: لم تذكر يا أبي صاحب هذا التفسير الرائع .
قال الأب
: هو عالم مسلم غيور يسمى سيد قطب جاهد في إعلاء كلمة الله بلسانه
وقلمه وأوذي في ذلك أذى كثيراً .
قالت الأم
: لقد لاحظت أنه يشترط أن تقوم هذه العلامات تحت ظل راية المجتمع
الإسلامي وهو يقرر إن هذا النظام إنما يقوم في رعاية المجتمـع
الإسلامي (1).
قال الأب
: أما سيدنا عبد الله بن عمر (2)فكان لا يجيز نكاح
الكتابية وهي على دينها مطلقاً وكان يجيب إذا سئل عن ذلك بقوله
تعالى : ] وَلاَ تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ
مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [
(3).
ويقول أنه لا شرك
أعظم من قول النصارى أن عيسى ربهم .
وأما الآية التي قلت
إن بعض الناس يستندون إليها فقد قال فيها ابن عمر إن المقصود من
الآية الكريمة حلية نكاح المرأة التي كانت كتابية وأسلمت وقد قال
بهذا الرأي جمع كبير من علماء الإسلام واحتجوا لذلك بقوله تعالى :
] لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ
بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ
وَرَسُولَهُ [ (1).
وقال في حكمة الزواج
وما ينتج عنه بين الزوجين : ]
وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
[ (2).
فإن العلاقة بين
المرء وزوجه يجب أن تكون علاقة مودة ورحمة وان العلامة بين المسلم
وأعداء الله يجب أن تكون الكراهية والبغض فدلت الآية الكريمة على
أنه لا يحل تزوج الكتابية لأنها محادة لله ولا يخلوا زوجها من
مخالفة إحدى الآيتين .
قالت الأم
: أليس في هذا شيء الشدة والعسر ؟
قال الأب
: إنه ليس للإنسان أن يغير أحكام الله لأنها لا توافق طبيعته أو
تفكيره ولكنه على كل حال فقد ذهب المعتدلون من علماء الإسلام إلى
التيسير حسبما تريدين وأباحوا أن يتزوج المسلم الكتابية وان يأكل
من ذبائحهم وطعامهم ولكن ذلك لا يجوز إلا عندما يكون هؤلاء
الكتابيون عائشين في المجتمع الإسلامي راضين بحكمه خاضعين لنظامه
دافعين لما يترتب عليهم من حقوق .
قال نجيب
: يخرج من هذا النقاش أنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج الأجنبية ولا أن
يأكل ذبائحهم .
قال الأب
: هذا ما يجب أن تعرفه وان يعرفه جميع المسلمين وان يعلموا به وان
كل من يدجل باسم الإسلام ويحل للناس ما حرم الله من طعام ونكاح فهو
مضلل أثيم وانه لمن المؤسف أن يتلقف الناس آية من كتاب الله
فيذهبون في تأويلها وتفسيرها حسبما تهواه أنفسهم وتمليه شهواتهم
وأغراضهم ثم يجحدون ثم يجدون من يبيح لهم ذلك ممن يزعم أنه أوتي
الفهم والعلم .
قالت الأم
: وما هي الأحكام الخاصة
بالمشركين ؟
قال الأب
: إن المشركين لا يقيم معهم المسلمون أية علاقة إما أن يقبلوا
الإسلام ويدخلوا في دين الله تعالى وإما أن يعلن الحرب عليهم وان
يكونوا أعداء الله ولرسوله وللمسلمين .
قالت الأم
: فما أحكام المجوس ؟
قال الأب
: يدعون إلى دين الله فإن استجابوا وآمنوا فهم إخواننا في الدين
وإن امتنعوا عن الإيمان ورضوا بحكم الإسلام ودفعوا الجزية فلهم أن
يعيشوا تحت رعاية النظام الإسلامي ولكن المعاملة معهم لا ترتفع إلى
معاملة أهل الكتاب فلا يحل نكاح نسائهم ولا أكل ذبائحهم حتى وهم
تحت إشراف الأمة المسلمة .
قالت الأم
: يعني إن الحكم عليهم وسط بين أهل الكتاب والمشركين فتصان دماؤهم
وأموالهم إذا دفعوا الجزية ويحرم نكاح نسائهم وأكل طعامهم حتى وهم
يعيشون ضمن المجتمع الإسلامي .
قال الأب
: هذا صحيح ولكن هذه المعاملة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى
والصائبين أو المجوس لا تعني أنهم غير مشركين ولذلك فهم يتساوون في
الحكم مع المشركين إذا لم يكونوا خاضعين لأحكام الإسلام قال الله
تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ
عَيْلَةً(1)
فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللهَ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ *
قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ
الآَخِرِ وَلاَ
يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ
الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا
الْجِزْيَةَ [ (1).
فأهل الكتاب كما ترى
مشركون ولكنهم مشركون عندما يفيئون إلى الإسلام ويحتمون بحكمه فإن
الإسلام يسبغ عليهم الأمن والسلام والعدالة والحرية والحياة
الكريمة مراعاة لاستنادهم إلى كتاب من كتب الله ولو أنهم حرفوه ولم
يعملوا به .
قالت الأم
: يظهر أنني أخذت منكما وقتا طويلاً وإنني أشكر لك يا أبا نجيب هذه
المعلومات القيمة وارجوا من ولدي أن يقتدي بأبيه وان يزيد عليه في
الجد والإطلاع لا سيما وأسباب المعرفة اليوم ميسرة أكثر منها
بالأمس .
قال الأب
: إنه واحبي أيتها المرأة الصالحة .
قال نجيب
: أطال الله بقاءكما وعافيتكما وأقدرني على البر بكما وقضاء
حقوقكما ثم قام فألقى عليهما تحية المساء وانصرف قرير العين .