هود بن محكم الهواري

بقلم الباحث: مهنا بن راشد السعدي

 

هو الشيخ العلامة المفسر هود بن مُحَكَّم بن هود الهَوَّاري (1) ، وقد اكتفت جميع المصادر التي وقفت عليها بذكر اسمه واسم أبيه وقبيلته ، إلا ما وجدته من ذكر اسم جده ” هود ” في مقدمة تفسير كتاب الله العزيز من قبل محققه الباحث الأستاذ بالحاج شريفي ، حيث ذكر أنه نقل ذلك عن الشيخ علي يحيى معمر في رسالة خاصة كتب بها إليه الشيخ علي معمر من دون أن يذكر المصدر الذي اعتمد عليه ، وذكر أن العهد بالشيخ علي معمر استقاءه معلوماته من مصادر موثوق بها ، وهو كذلك ، وأضاف أنه بهذا يكون الشيخ محكم الهواري سمى ابنه هودا باسم أبيه ، وهذا ما نجده كثيرا في الأنساب(2) .
     وقبيلة ” الهواري ” التي ينتسب إليها الشيخ هود من قبائل البرانس البربرية ، وقد سكنت بطونها عدة مواطن في إفريقيا والمغرب ، حيث جاورت هوارة قبيلة نفوسة بجبل نفوسة جنوب طرابلس الغرب ، وسكنت بطون منها بلاد الجريد جنوب الحدود الجزائرية التونسية الآن ، وسكنت بطون منها جبل ” أوراس ” ونواحيه ، وهو الموطن الذي ينتمي إليه الشيخ هود رحمه الله (3) .
     ولقد تغنى الرحالة والجغرافيون بوصف جبل ” أوراس ” موطن شيخنا ، ونكتفي هنا بما قاله البكري ( 5 هـ ) واصفا الطريق من مدينة ” فاس ” إلى ” القيروان ” حيث قال : ” ومن أدنة إلى مدينة طبنة مرحلتان … ثم تمشي ثلاث مراحل في مساكن العرب وهوارة ومكناسة وكبينة وورقلة ، يطل عليها وعلى ما والاها جبل أوراس ، وهو مسيرة سبعة أيام ، وفيه قلاع كثيرة يسكنها قبائل هوّارة ومكناسة … وفي هذا الجبل كان مستقر الكاهنة إلى مدينة باغاية ، وهي حصن صخر قديم حوله ربض [ ما حول المدينة من النواحي ] كبير من ثلاث نواح ، وليس فيما يلي الناحية الغربية ربض ، إنما يتصل بها بساتين ونهر ، وفي أرباضها فنادقها وحماماتها وأسواقها ، وجامعها داخل الحصن ، وهي في بساط من الأرض عريض ، كثير المياه ، وجبل أوراس مطل عليه … ” إلى أن قال : ” وأهلها كلهم اليوم على رأي الإباضية ” (4) .
     لم تحدد المصادر العام الذي ولد فيه الشيخ هود ، ولكن يقدر أنه ولد في العقد الأول أو الثاني من القرن الثالث الهجري ( 200- 220هـ ) (5) .
     ووالد مفسرنا هو الشيخ مُحَكَّم بن هود الهَوَّاري ، وقد وقع الخلاف في ضبط اسمه ، فيذكر الأستاذ شريفي أنه سأل بعض مشايخه ، فوجدهم يروونه بإسكان الحاء وتخفيف الكاف المكسورة أو المفتوحة ( مُحْكَم أو مُحْكِم ) ، على اختلاف بينهم (6) .
     ولقد قام الأستاذ شريفي بعملية استقراء في مختلف المصادر اللغوية وغيرها بحثا عن الضبط الصحيح لهذا الاسم ، فتوصل إلى أن الكاف في محكم وردت في أغلب المصادر بتشديد الكاف المفتوحة أو المكسورة ، لا بالتخفيف ، ثم رجح تشديد الكاف المفتوحة معتمدا على ما ذكره أبو عبيد البكري في كتابه ” فصل المقال ” وهو يشرح كلمة لمحكَّم اليمامة حيث قال : ” وفي كتاب النسب للكلبي : قيل له محكَّم لأنهم جعلوه حكما وحكَّموه بينهم ” (7) .
     إذا فالراجح أنه مُحَكَّم بتشديد الكاف المفتوحة ، وهذا ما رجحه كذلك أصحاب المعجم بالاعتماد على ما ذهب إليه الأستاذ شريفي ، وكذلك د/ الجعبيري حيث ضبط الاسم بتشديد الكاف المفتوحة ، وكذا الأستاذ سلطان الشيباني (8) .
     ولقد كان الشيخ مُحَكَّم والد الشيخ هود عالما جليلا ، وقاضيا فحلا ، عينه الإمام أفلح ( حكم الدولة الرستمية بين : 208 – 258هـ ) قاضيا على ” تيهرت ” عاصمة الدولة الرستمية (9) ، وسوف يأتي الحديث عنه بالتفصيل في حلقة قادمة .
     هذا وقد خلط البعض بين الشيخ هود ووالده ، فنجد الشيخ الجعبيري يذكر أن هودا هو قاضي الإمام عبد الوهاب بن عبد الرحمن (10) ، والصحيح أن محكما هو القاضي ، وليس قاضيا للإمام عبد الوهاب كما يذكر الشيخ الجعبيري بل لابنه الإمام أفلح ، ونجد الشيخ سليمان بن يوسف يذكر كذلك أنه كان قاضيا للإمام عبد الوهاب (11) ، ووقع أصحاب المعجم في هذا التناقض فنجدهم في ترجمة الشيخ هود بن محكم يذكرون أن الشيخ محكما كان قاضيا للإمام عبد الوهاب ، وفي ترجمتهم للشيخ محكم يذكرون أنه كان قاضيا للإمام أفلح ، فلعله خطأ غير مقصود (12) .
     في أحضان هذا العالم الجليل والقاضي الفحل تربى مفسرنا ، فرضع لبانة العلم منذ نعومة أظافره ، فالظاهر أنه أخذ العلم أول ما أخذ على يد والده الشيخ محكم ، يقول الشيخ علي يحيى معمر : ” وُلِدَ لمحكم ولدٌ سماه هودا ، رباه على الإسلام ، وأنشأه على تقوى الله ودربه على المعارف الإسلامية منذ صغره ، فاستمر في الدراسة حتى أصبح علما من الأعلام … ” (13) ، وهذا ما مال إليه الباحث شريفي حيث قال : ” … والذي يبدو لنا أنه يكون قد أخذ العلم أولا في مراتع طفولته ومرابع صباه عن والده ، بعد حفظه لكتاب الله … ” (14) ، وكذلك نجد أصحاب المعجم يذهبون إلى ذلك (15) .
     والظاهر أنه استمر فترة ليست بالقصيرة في بلده – كما يرى الباحث سلطان الشيباني – يتفقه في مجالس العلم وحلقات الدروس التي كانت تعقد بالمساجد في القرى الجبلية أو في البوادي تحت الخيام (16) ، وهذا ما مال إليه كذلك الباحث شريفي (17) .
     وقد ذهب الباحث شريفي إلى عدم استبعاد كون الشيخ هود هاجر إلى القيروان وتيهرت لطلب العلم ، فوجود هذين المركزين جدير بأن يشد انتباه العالم الناشئ الطموح ، وأن يستحث همته فيولي وجهه شطريهما لينهل منهما ما يشبع نهمه العلمي ، ويروي ظمأه للمعرفة (18) ، إذا فلعل الشيخ هودا تتلمذ على يد الإمام أفلح وعلماء تيهرت في أثناء وجود أبيه في منصب القضاء .
     هذا وقد ذهب الباحث سلطان الشيباني كذلك إلى عدم استبعاد كون الشيخ هود في أواخر حياته قد رحل إلى الأندلس ، وقرأ على مشايخها وتتلمذ عليهم (19) ، وقد استند في ذلك إلى ما ذكره قطب الأئمة في رده على العقبي حيث قال : ” وإن لم تعرف الإباضية فقد عرفهم الأندلسيون إذ قرأ فيهم الشيخ هود الهواري ، وقال له شيخه : لا يقبل الله دينا يخالف ما أنت عليه ” ، وقد تفرد الإمام القطب بهذه المعلومة ولم يشر إلى مصدرها .
     إذا وبعد هذه الرحلة الطويلة التي قضاها الشيخ هود في طلب العلم عاد إلى موطنه ” أوراس ” محملا بالعلم ، فلمع اسمه بين العلماء ، وأصبح محط الأنظار ، وكعبة يقصدها طلاب العلم خاصة ليقتبسوا جذوة من علومه ، والناس عامة ليتلقوا منه التوجيهات الرشيدة والرأي السديد والحل المرضي لمشاكلهم ، فيقضي كل من قصده مأربه وينال بغيته (20) .
     ولقد بلغ الشيخ هود من المنزلة والرفعة شأوا بعيدا ، فهاهو الشيخ الشماخي يصفه قائلا : ” ومنهم هود بن محكم الهواري … وهو عالم متفنن غائص ، وهو صاحب التفسير المعروف ، وهو كتاب جليل في تفسير كلام الله لم يتعرض فيه للنحو والإعراب ، بل على طريقة المتقدمين ” (21) .
     ومما يدل على المنزلة الرفيعة التي حظي بها الشيخ هود تلك القصة التي يرويها الشيخ أبو زكرياء في سيره حيث قال : ” وذكر الشيخ ميمون بن حمودي أن هود بن محكم الهواري جاءه رجل من العزابة يستعين به على مايفك كتبا له مرهونة عند رجل من النكار في خمسة دنانير ، فدعا هود بن محكم رجلا فقال له : سر مع هذا الرجل إلى مواطن ” مزاتة ” ، فجاءهم وأخبرهم القصة ، وتسارعوا فيما يصنعون له ، ويجمعون له من الأموال ، فبسطوا بساطا ، فطفق الرجال والنساء يرمون فيه الدنانير والدراهم وما أمكن كل واحد منهم ، فجمع من ذلك مالا كثيرا ، فلموا أطراف البساط فرفعوه ، فأتوا به هود بن محكم ، فعمد الرجل صاحب الكتب إلى الخمسة دنانير فأخذها وترك الباقي ، فقال لهود : أنت أولى به ياشيخ ، فإن المؤونة عليك كبيرة ممن يقصدونك ويعترونك ” (22) ، ونجد الدرجيني يذكر نفس هذه القصة (23) .
     ونستنتج من خلال هذه القصة عدة أمور ، منها فضل عالمنا وقيمته بين قومه ، ومركزه بين أفراد قبيلته ” هوارة ” ، وعظيم منزلته في قبيلة ” مزاتة ” المجاورة ، ونستنتج كذلك أنه أصبح مقصدا لكل مكروب ومهموم ليفك كربته ويزيل همه ، ونستنتج أيضا أنه يؤمه الكثير من الناس والزوار وطلاب العلم ، وذلك من قول الرجل للشيخ هود : ” فإن المؤونة عليك كبيرة ممن يقصدونك ويعترونك ” ، فلا يستبعد أن يكون قد أسس مدرسة عظيمة يؤمها طلاب العلم بل ويقيمون عنده يعتمدون عليه في مأكلهم ومسكنهم ، وقد كان هذا الشائع في المغرب في تلك القرون والله أعلم .
     هذا وقد يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال حول هذه القصة وهو كيف يمكن أن نعلل استخدام ميمون بن حمودي لمصطلح ” العزابة ” ؟! ، حيث أنه من المعلوم أن مصطلح ” العزابة ” و” العزابي ” ظهر بعد قرن من عهد الشيخ هود ، حيث أنه ظهر في القرن الرابع الهجري ، في عهد الشيخ أبي عبد الله محمد بن بكر ( ت : 440هـ ) المؤسس لنظام العزابة (24) ، والعزابة جمع ” عَزاب ” بفتح العين مأخوذ من عزب عن أهله انفرد عنهم ، سموا بذلك لانقطاعهم إلى الله بالاشتغال بأمر دينه وطلب العلم والزهد في الدنيا وزخرفها ، وليس المقصود بالمصطلح عدم الزواج كما ذهب المستشرق روبانيكسي في تفسيره لهذا المصطلح ، إذ أن العزابة يتزوجون ويكونون الأسر الناجحة كما هو معلوم من سيرتهم وواقعهم (25) .
     ويرى د/ إبراهيم بحاز أن مصطلح ” العزابة ” ظهر بعد عهد أبي بكر محمد بن عبد الله ، إذ أن هذا النظام في عهد مؤسسه كان يعرف بنظام الحلقة ، ثم تطور إلى نظام العزابة (26) ، ويرى أن ورود هذا المصطلح في بعض المصادر المتقدمة كما هو الحال مع هذه القصة عند أبي زكرياء ربما يعود إلى تصرف من قبل المؤلفين أو من قبل النساخ ؛ وهناك من يرى أن مصطلح ” العزابة ” كان متداولا في الوسط الإباضي قبل تقعيد أبي عبد الله لقواعده ، وكان يستخدم للتفريق بين الإباضية والنكار ، وعلى هذا الرأي الباحث سلطان الشيباني (27) ، إلا أن د/ بحاز يستبعد ذلك ويرى أن الأمر يحتاج إلى البحث والتأكد .
     وفيما يخص نسبه في الدين وشيوخه الذين جلس إليهم وأخذ عنهم ، فإن المصادر لا تسعف بما يفيد أو بذكر اسم أحد منهم إذا استثنيا أباه محكما ، وكذلك الأمر بالنسبة لتلاميذه الذين تلقوا عنه العلم أو تربوا على يديه ، ولقد حاول الباحث شريفي جاهدا أن يجد إشارة إلى بعض شيوخه في ثنايا تفسيره فلم يعثر على أي واحد منهم (28) .
     وفيما يتعلق بوفاته فإن المصادر كذلك صامتة حول ذلك ، ويقدر الباحث شريفي أنها كانت في العقد الثامن أو التاسع من القرن الثالث الهجري ، أي حوالي سنة 280هـ ، حيث أن كل من ذكره من المؤرخين وكتاب السير يؤكد أنه من علماء الطبقة السادسة ( 250- 300هـ ) ، فهل أدرك نهاية الدولة الرستمية سنة 296هـ ؟ يقول الأستاذ شريفي : ” أنا أستبعـد ذلك ، ولكن لا أستطيـع أن أجـزم بشيء في الموضوع ” (29) ؛ وعلى العموم إن لم يكن أدرك سقوط الدولة الرستمية فإنه عاش في أواخرها والله أعلم .
     هذا وقد ترك لنا الشيخ هود رحمه الله تفسيرا جليلا كاملا للقرآن الكريم ، حفظته يد القدر من الضياع والاندثار عنونه بـ ” تفسير كتاب الله العزيز ” ، ولقد قام الأستاذ الباحث بالحاج بن سعيد شريفي بتحقيق هذا السفر الثمين ، فظل يعمل فيه لما يقارب من عشرين سنة ، وقد طبع في أربعة مجلدات بدار الغرب الإسلامي .
     ولقد ظل هذا التفسير أكثر من أحد عشر قرنا منسيا مغمورا إلى أن ظهرت مخطوطاته المتفرقة في بعض الخزائن الخاصة ، موجودة في مدن وادي ميزاب وجزيرة جربة بتونس (30) .
     ونجد أن المصادر الإباضية المتقدمة أشارت إلى هذا التفسير قبل أن يتم اكتشافه ، فقد أشار إليه أبو زكرياء ( ق 5هـ ) في سيره حيث قال : ” وذكر أن رجلين اختصما على تفسير هود بن محكم الهواري حتى بلغ تشاجرهما قبيلتيهما ، وحتى كادت الثورة تقوم بينهم ، وتصاف الفريقان ، وكاد الشر يقع بينهم ، فلما رأى ذلك أبو محمد جمال ، نزع المصحف ( التفسير ) من بينهم ، فقسمه نصفين ، فوافق قرطاسا بين النصفين لم يكتب ، وأعطى لكل نصفا ، وزال الشر واصطلحوا ” (31) ؛ وكذلك نجد الدرجيني ( ق 7هـ ) أشار إليه ، فذكر هذه القصة وزاد بتفصيل أكثر وزاد عليها أن الشيخ أبو محمد جمال قال لهما : من شاء منكما الآن إكمال الكتاب فلينسخ النصف الذي فاته (32) ؛ وذكره البرادي ( ق 9هـ ) في جواهره حيث قال : ” ومن تأليف أصحابنا أهل المغرب التفسير الذي لهود بن محكم الهواري في سفرين كبيرين ” (33) ولم يذكر هل رآه أم لم يره ؛ وكذلك ذكره الشماخي ( ق 10هـ ) في سيره ، وقد ذكر القصتين اللتين ذكرهما أبو زكرياء والدرجيني ، والظاهر أن الشماخي وقف على التفسير واطلع على محتواه حيث قال كما مر علينا سابقا : ” ومنهم هود بن محكم الهواري … وهو عالم متفنن غائص ، وهو صاحب التفسير المعروف ، وهو كتاب جليل في تفسير كلام الله لم يتعرض فيه للنحو والإعراب ، بل على طريقة المتقدمين ” (34) .
     هذا وإن أقدم نسخه المخطوطة تعود إلى القرن 11هـ ، وللشيخ محمد بن عمر بن أبي ستة المحشي ( ق 11هـ ) حاشية على تفسير الشيخ هود لم يتمها ، ورجع إليه الشيخ إبراهيم بن بيحمان في تفاسيره ( ق 13هـ ) ، وكذلك الإمام قطب الأئمة ( ت : 1332هـ / 1914م ) في “تيسير التفسير ” وفي ” هيميان الزاد ” وفي ” شرح النيل ” ، وكذلك الشيخ صالح لعلي في تفسيره ” القول الوجيز ” ( ق 14هـ ) (35) ، وذكره الإمام السالمي ( ت : 1332هـ / 1914م ) في ” اللمعة المرضية ” (36) ، وذكره الشيخ أبو إسحاق اطفيش في تقديمه لكتاب ” الوضع ” للشيخ الجناوني (37) ، وذكره د/ محمد حسين الذهبي ( ت : 1397هـ / 1977م ) في كتابه ” التفسير والمفسرون ” (38) ، وذكره الشيخ سليمان بن يوسف ( ت : 1412هـ / 1992م ) في كتابيه ” حلقات من تاريخ المغرب ” و” مساهمة علماء الإباضية ” (39) ، وأشار إليه د/ عمرو النامي في كتابه ” دراسات عن الإباضية ” ، وذكره صالح باجيه في كتابه ” الإباضية بالجريد ” (40) ، وذكره د/ بحاز في كتابه ” الدولة الرستمية ” (41) ، وذكره علي أكبر ضيائي في كتابه ” معجم مصادر الإباضية ” (42) ، وغيرهم من الباحثين المعاصرين .
     هذا ولقد حاول عدد من أهل العلم التصدي لطباعة هذا السفر الثمين بعد اكتشافه ، والظاهر أن محاولاتهم لم يكتب لها النجاح إلى أن يسر الله تعالى خروجه إلى النور على يد الأستاذ بالحاج شريفي وطبع طبعة أولى في سنة 1990م بدار الغرب الإسلامي كما ذكرنا في أربعة مجلدات ضخام .
     وممن حاول طباعته الشيخ أبو إسحاق اطفيش عندما كان موجودا بمصر ، فظلت إحدى مخطوطاته معه لسنوات عديدة ، ولما تعذر تحقيقها وطباعتها رجع بها الشيخ ناصر المرموري إلى مدينة ” القرارة ” بميزاب سنة 1965م (43) ؛ وكذلك حاول الشيخ سليمان بن يوسف طباعته ، إلا أنه كذلك لم يوفق لذلك ، والذي يظهر أن الشيخ سليمان بن يوسف هو من اكتشف مخطوطات تفسير هود بن محكم ، أو ممن اكتشف بعض مخطوطاته ، حيث يقول : ” … والحمد لله أنني وجدت نسخة من هذا التفسير – يعني تفسير هود بن محكم – في خزانة جدي الشيخ أحمد بن أيوب كتب في آخرها ” جلت في البلاد كثيرا بحثا عن التفسير فوجدت نسخة ببلد أريغ ممرشة فتعبت في نسخها ولا تزال تحتاج إلى تصحيح أرجو ممن تمكن أن يزيد أن يزيد في تصحيحها وله الأجر ” فعزمت أنا على تقديم هذا التفسير الجليل للطباعة فوجدت جزءا في خزانة قطب الأئمة الشيخ اطفيش ، وجزأين في خزانة الشيخ بلحاج بالقرارة ، وجزءا بتونس ، نسأل الله أن يوفقنا لطبعه ونشره ” (44) ، وهذا ليس بغريب على الشيخ سليمان بن يوسف وهو الذي كلفه رئيس جمهورية الجزائر هواري بومدين بمهمة التنقيب عن المخطوطات الجزائرية بالخارج ، فخلص في بحثه الذي عرضه على الرئاسة آنذاك إلى ثروات شاسعة من المخطوطات الجزائرية بتعيين محتواها ومؤلفيها والمكتبات الأوروبية التي توجد فيها (45) ؛ والحقيقة أن الأستاذ شريفي لم يشر إلى الشخص أو الأشخاص الذين كانت لهم اليد البيضاء في اكتشاف مخطوطات هذا السفر الجليل .
     هذا وقد وهم البعض وظن أن تفسير هود بن محكم ناقص ، وممن وهم د/ محمد حسين الذهبي حيث جاء بمعلومات ناقصة جدا وأحكام مجانبة للحق والصواب في كتابه ” التفسير والمفسرون ” حول تفسير هود بن محكم (46) ، والعجيب أن الشيخ فرحات الجعبيري كذلك ظن أن الشيخ هودا توفي قبل أن يتم تفسير القرآن كاملا ، وأنه وصل إلى الآية ( 238 ) من سورة البقرة (47) ، والصحيح أن تفسير الشيخ هود بن محكم كامل غير ناقص ، وإنما الناقص هو الحاشية التي وضعها الشيخ أبو ستة على تفسير الشيخ هود ولم يتمها كما ذكر الأستاذ شريفي فوقع الخلط والوهم عند بعض الباحثين (48) .
     وأخيرا وقبل الختام ينبغي التنبيه أن تفسير الشيخ هود بن محكم إنما هو عبارة عن اختصار لتفسير آخر سبقه بقرن من الزمان ، وهو تفسير يحيى بن سلام البصري ( ت : 200هـ ) ، وقام الشيخ هود بالزيادة عليه وإبراز آراء الإباضية في بعض القضايا ، وتذكر المصادر أن ابن سلام هاجر إلى القيروان وأخذ الناس عنه تفسيره ومنهم ابنه محمد وتلميذه أبي داود العطار ، فيذكر الأستاذ شريفي أنه ربما يكون الشيخ هود هاجر إلى القيروان وأخذ تفسير ابن سلام مباشرة عن محمد بن يحيى بن سلام ، أو ربما يكون أخذه عن أبي داود العطار (49) .
     وتكمن القيمة العلمية لتفسير الشيخ هود بن محكم كما يرى الأستاذ شريفي أن الشيخ هودا تعقب ابن سلام في القضايا التي تتعارض مع العقيدة الصحيحة ، فبين الصواب ولم يأخذ تفسير ابن سلام على علاته وهناته ، وكذلك فإن تفسير الشيخ هود يعد بحق أول مختصر لتفسير ابن سلام ، وقد حاول ابن أبي زمنين ( ت : 399هـ ) اختصار تفسير ابن سلام فألف مختصرا عنونه بـ ” مختصر تفسير ابن سلام ” ، إلا أن الشيخ هودا متقدم عليه وأقرب إلى عهد ابن سلام ، أضف إلى ذلك أن تفسير الشيخ هود أكبر حجما وأغزر مادة وأكثر فائدة من تفسير ابن زمنين ، وكذلك فإن الشيخ هود ساهم في حفظ الصورة الكاملة أو القريبة من الكمال لتفسير ابن سلام ، حيث أن مخطوطات تفسير هذا الأخير لا تزال ناقصة (50) .
     يقول د/ بحاز عن تفسير الشيخ هود : ” ومما لاحظناه في هذا التفسير ، أنه يروي في بعض الحالات أسباب النزول ، ويعتمد على أحاديث نبوية ، وكثيرا ما يشير إلى مصادره كروايات ابن عباس ومولاه عكرمة ، وابن الكلبي ومجاهد وغيرهم . ولم يتبع هود في تفسيره طريقة النقل فقط ، بل كثيرا ما كان يسوق الرواية فينفيها نفيا قاطعا ، واهتم خاصة باستخراج معاني الآيات وما تضمنته من حكم وأحكام ” (51) .
     ولقد كنت أود تسليط الضوء أكثر على هذا التفسير الجليل إلا أن الأستاذ بالحاج شريفي محقق تفسير الشيخ هود ، والباحث سلطان الشيباني في سلسلته الرائعة ” الإنتاج الإباضي في علم التفسير ” والتي نشرت تباعا في جريدة الوطن ، أتيا بما لا مزيد عليه ، وكما يقال : لا عطر بعد عروس .

(1) – هود بن محكم الهواري ، تفسير كتاب الله العزيز ، ج1 ،  تح : بالحاج بن سعيد شريفي ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، لبنان ، ط1 : 1990م ، ص8 – أبو القاسم بن إبراهيم البغطوري ، الجواهر المنتقاة ، ص219- أحمد بن سعيد الدرجيني ، كتاب طبقات المشائخ بالمغرب ، ج2 ، تح : إبراهيم طلاي ، ص345 ، 398- 399 – أحمد بن سعيد الشماخي ، كتاب السير ، ج2 ، تح : أحمد بن سعود السيابي ، وزارة التراث والثقافة ، سلطنة عمان ، ط2 : 1412هـ / 1992م ، ص59 – بحاز وآخرون ، معجم أعلام الإباضية ، ج2 ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، لبنان ، ط2 : 1421هـ / 2000م ، ص443 ، رقم الترجمة : 961 – سلطان بن مبارك الشيباني ، الإنتاج الإباضي في علم التفسير ، الحلقة ( 13 ) ، مخطوط بخط المؤلف ، ص1 ، وقد تم نشر هذه الحلقات في جريدة ” الوطن ” العمانية بين عامي 1419هـ / 1420هـ .

(2) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/8 الهامش .

(3) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/8 .

(4) – البكري ، المغرب ، ص145 نقلا عن : الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/9 .

(5) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/13- بحاز وآخرون ، معجم أعلام الإباضية ، 2/961- سليمان داود بن يوسف ، مساهمة علماء الإباضية في علم التفسير والحديث والفقه والبيان ، مطبعة أبو داود ، 1992م ، ص25- عمرو خليفة النامي ، دراسات عن الإباضية ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، لبنان ، ط1 : 2001م ، ص112- الشيباني ، الإنـتـاج الإبـاضي في علـم التفسيـر ، الحلقة ( 13 ) ، ص1 .

(6) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/10 .

(7) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/11 .

(8) – فرحات الجعبيري ، البعد الحضاري للعقيدة الإباضية ، مطبعة الألوان الحديثة ، مسقط ، سلطنة عمان ، 1408هـ / 1987م ، ص144- بحاز وآخرون ، معجم أعلام الإباضية ، 2/355 ، رقم الترجمة : 772- الشيباني ، الإنتاج الإباضي في علم التفسير ، الحلقة ( 13 ) ، ص1 .

(9) – ابن الصغير ، أخبار الأئمة الرستميين ، تح : د/ محمد ناصر ، إبراهيم بحاز ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، لبنان ، 1406هـ / 1986م ، ص57 .

(10) – فرحات الجعبيري ، البعد الحضاري للعقيدة الإباضية ، ص144- فرحات الجعبيري ، نظام العزابة عند الإباضية الوهبية في جربة ، المعهد القومي للآثار والفنون ، المكتبة التاريخية ، تونس ، 1975م ، ص273 .

(11) – سليمان داود بن يوسف ، حلقات من تاريخ المغرب الإسلامي ، مطبعة أبو داود ، 1993م ، ص158 .

(12) – بحاز وآخرون ، معجم أعلام الإباضية ، 2/355 ، رقم الترجمة : 772 ، 2/443 ، رقم الترجمة : 961 .

(13) – علي يحيى معمر ، الإباضية في موكب التاريخ ، المجلد الثالث ، الحلقة الرابعة ، مكتبة الضامري ، السيب ، سلطنة عمان ، ط2 : 1993م ، ص143

(14) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/13 .

(15) – بحاز وآخرون ، معجم أعلام الإباضية ، 2/355 ، رقم الترجمة : 772 ، 2/443 ، رقم الترجمة : 961 .

(16) – الشيباني ، الإنتاج الإباضي في علم التفسير ، الحلقة ( 13 ) ، ص1 .

(17) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/14 .

(18) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/14 .

(19) – الشيباني ، الإنتاج الإباضي في علم التفسير ، الحلقة ( 13 ) ، ص1 .

(20) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/16 .

(21) – الشماخي ، السير ، 2/59 .

(22) – يحيى بن أبي بكر أبو زكرياء ، كتاب السيرة وأخبار الأئمة ، تح : عبد الرحمن أيوب ، الدار التونسية للنشر ، تونس ، 1405هـ / 1985م ، ص360 .

(23) – الدرجيني ، الطبقات ، 2/398- 399 .

(24) – الدرجيني ، الطبقات ، 1/167- بحاز وآخرون ، معجم أعلام الإباضية ، 2/368 ، رقم الترجمة : 803 .

(25) – محمد صالح ناصر ، منهج الدعوة عند الإباضية ، مكتبة الاستقامة ، مسقط ، سلطنة عمان ، 1418هـ / 1998م ، ص274- إبراهيم بحاز ، محاضرة نظام العزابة وأثره في المجتمع الميزابي ، ألقاها في سلطنة عمان ولاية السويق ، الأربعاء 4 من محرم 1425هـ / 25من فبراير 2004م .

(26) – مناقشة علمية عبر الهاتف مع د/ إبراهيم بحاز ، السبت 25 من ربيع الأول 1425هـ / 15 من مايو 2004م .

(27) – مناقشة علمية عبر الهاتف مع الأستاذ سلطان الشيباني ، ربيع الأول 1425هـ / مايو 2004م .

(28) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/17- الشيباني ، الإنتاج الإباضي في علم التفسير ، الحلقة ( 13 ) ، ص2 .

(29) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/17- 18- الشيباني ، الإنتاج الإباضي في علم التفسير ، الحلقة ( 13 ) ، ص2 .

(30) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/5 .

(31) – أبو زكرياء ، كتاب السيرة وأخبار الأئمة ، ص359 .

(32) – الدرجيني ، الطبقات ، 2/345- 346 .

(33) – البرادي ، الجواهر ، ص219 .

(34) – الشماخي ، السير ، 2/59 .

(35) – الشيباني ، الإنتاج الإباضي في علم التفسير ، الحلقة ( 13 ) ، ص3 .

(36) – عبد الله بن حميد السالمي ، اللمعة المرضية من أشعة الإباضية ، وزارة التراث والثقافة ، سلطنة عمان ، ط2 : 1983م ، ص19.

(37) – يحيى بن أبي الخير الجناوني ، كتاب الوضع ، مكتبة الاستقامة ، مسقط ، سلطنة عمان ، ط6 ، ص10- 11 مقدمة الشيخ أبي إسحاق إبراهيم اطفيش .

(38) – الشيباني ، الإنتاج الإباضي في علم التفسير ، الحلقة ( 12 ) ، ص2 .

(39) – سليمان بن يوسف ، حلقات من تاريخ المغرب الإسلامي ، ص158- سليمان داود بن يوسف ، مساهمة علماء الإباضية في علم التفسير والحديث والفقه والبيان ، مطبعة أبو داود ، 1992م ، ص25 .

(40) – صالح باجيه ، الإباضية بالجريد في العصور الإسلامية الأولى ، دار بوسلامة ، تونس ، ط1 : 1396هـ / 1976م ، ص55 .

(41) – إبراهيم بحاز ، الدولة الرستمية ، جمعية التراث ، القرارة ، الجزائر ، ط2 : 1414هـ / 1993م ، ص301 .

(42) – علي أكبر ضيائي ، معجم مصادر الإباضية ، مؤسسة الهدى ، طهران ، إيران ، ط2 : 1424هـ ، ص201 .

(43) – الشيباني ، الإنتاج الإباضي في علم التفسير ، الحلقة ( 12 ) ، ص2 .

(44) – سليمان بن يوسف ، حلقات من تاريخ المغرب الإسلامي ، ص158- سليمان بن يوسف ، مساهمة علماء الإباضية ، ص25 .

(45) – بحاز وآخرون ، معجم أعلام الإباضية ، 2/201 ، رقم الترجمة : 446 .

(46) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/21 .

(47) – الجعبيري ، نظام العزابة ، ص273 .

(48) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/21 .

(49) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/33 .

(50) – الهواري ، كتاب الله العزيز ، 1/34 ، 38 .

(51) – بحاز ، الدولة الرستمية ، ص301 .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

five × one =