لماذا هذا الموقع
إن الدعوة إلى وحدة المسلمين في الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة الآن تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله أصبحت من أوكد الفروض وأوجب الواجبات، وهذا العصر الذي نعيش فيه يسمى بعصر المعلومات إذ أصبحت فيه الاتصالات بين الناس أيسر وأسهل من أي وقت مضى – سواء كانت اتصالات شخصية بالزيارات واللقاءات، أو بالبريد والهاتف أو الفاكس، وأخيرا البريد الإلكتروني – وأصبح من اليسير على كل باحث أن يتحقق من أي مشكلة علمية في وقت قصير .
ورغم كل هذا الوسائل والإمكانيات لازال كثير من الكتاب والمحاضرين والعلماء يحكم على الإباضية بنفس الحكم الذي قضى به كتاب قدامى لم يعرفوا عنهم إلا القليل مما وصل إلى أسماعهم من أخبار مقتضبة ومغالطات واضحة وأخطاء شنيعة. هذه المعلومات الخاطئة, لازالت _للأسف _ الشديد هي نفسها التي تدرس في المدارس والجامعات وتلقى في المساجد والمؤتمرات وتنقل من جيل إلى جيل دون التأكد منها بالرجوع إلى مصادر الإباضية الصحيحة – وهي قريبة – للتأكد منها .
فكثير من المسلمين – حتى ممن ينتسب الى الاباضية – لا يعرف حقيقة الاباضية ولا تاريخها أو أراءها وأدلتها في القضايا الخلافية، ذلك لأن قدرا كبيرا من التعتيم يمارس على الفكر الإباضي من قبل أناس جعلوا أنفسهم أوصياء على الإسلام يفسقون ويكفرون ويبدعون من يشاءون ودون تثبت أو دليل واضح.
إن الإسلام دين عظيم، يدعو إلى السماحة واليسر وإحسان الظن بالناس وحمل ظواهرهم على أحسن الوجوه، وليس دين تلمس العثرات وتحسس العورات وسوء الظن بالمسلمين. إلا أنه مع الأسف نرى في أيامنا هذه بعض المحسوبين على أهل العلم تملكتهم شهوة تكفير المسلمين وإساءة الظن بالموحدين: البريء عندهم متهم، ومن خالفهم الرأي كفر، ومن فهم غير فهمهم خرج من الملة.
ومهما قيل عن الإباضية بأنهم خوارج أو مبتدعة أو مارقة أو غير ذلك من الأوصاف فإن هذه الأوصاف لن تغير من حقيقة الإباضية التي يجهلها كثير من الناس، ذلك لأن الفكر الإباضي فكر إسلامي سليم مستمد من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم- عرفه من عرفه وجهله من جهله – ولو كان الفكر الإباضي، فكرا خارجيا كما وصفه المؤرخون لما استطاع أن يصمد طيلة القرون الماضية ، لأن الحركات الخارجية كلها انتهت مع بداية القرن الثاني الهجري، وبقيت الإباضية صامدة على مدى التاريخ.
ونحن لى يقين أنه حين يصل المسلمون إلى قدر من الوعي يمكنهم من قبول الرأي المخالف بصدر رحب، ويقبلون النقاش في أحداث التاريخ الإسلامي نقاشا علميا وموضوعيا بغية الوصول إلى الحقيقة دون تعصب إلى رأي أو مذهب ، عندها سيجد المسلمون في الفكر الإباضي ما يمكن الاستفادة مما فيه لخير وصلاح الأمة الإسلامية خاصة والبشرية عامة .
ولعل من أهم البواعث لإنشاء هذا الموقع ما يلي :
أولا – الجهل بحقيقة الإباضية: فرغم أن المنتسبين إلى الإباضية يعيشون في الكثير من البلدان الإسلامية مع إخوانهم المسلمين حياة أخوة وصداقة وعمل، إلا أن اغلب المسلمين حتى الذين يعيشون معهم في بلد واحد لا يعرفون عن الإباضية إلا القليل وقد يكون ما عرفوه مخالفا للحق ومجانبا للصواب.
أما الذين لم يتصلوا بالإباضية ولم يتعاملوا معهم فان بعضهم لم يسمع بالإباضية مطلقا وكثيرا ممن سمع أو قرأ عنهم فإن معلوماتهم عن الإباضية مشوشة لأنهم استمدوا هذه المعلومات ممن نقلوا عن كتب أُلفت في فترة كان التعصب المذهبي على أشده وكانت وسائل الاتصال محدودة كما أن إمكانيات الناس لم تسمح لهم بالانتقال والبحث للتأكد مما يكتبون أو يقولون. فكانت نتيجة ذلك عزل الفكر الإباضي عن بقية الأمة . فوصلت إلى أسماع الناس معلومات خاطئة نقلوها إلى من جاء بعدهم – شفاهة أو كتابة – فوصلت إليهم صورة مشوهة باهتة عن الإباضية.
ثانيا – عدم إنصاف الكتاب للإباضية: أغلب من يكتب عن الإباضية لا ينصفهم ولا يعرف حقيقتهم، لأنه لا يفقه، ولا يعي الدور والظروف التي نشأ فيها المذهب الإباضي، ولا التطورات التي مر بها، ولا الملابسات التي اكتنفته ولا الخصوصيات التي تميزه. وقد لوحظ في كثير من الكتابات تأويلات واستنتاجات خاطئة، لا تمت إلى الإباضية بصلة. فكثير من المصادر والمراجع غير الإباضية لا تتحدث، ولا تسجل سوى النزاعات والثورات والمؤامرات، والمناوشات، بينما الجوانب الدينية والثقافية والاجتماعية قليلة الورود في هذه الكتابات .
(لقد ظلم الإباضية قديما وحديثا من قبل إخوانهم المسلمين . ففي القديم ظلمهم كتاب المقالات في العقائد، واعتبروهم من الخوارج وألصقوا بهم عددا من الشنائع والمنكرات لا علاقة لهم بها، ونسبوا إليهم كل ما ينسبونه إلى الخوارج من أعمال العنف ، وغلظة الطبع، وجفاء البداوة ، وشذوذ المعاملة، وجمود الفهم .
ولم يكتف بعض المؤرخين بنسبة الإباضية إلى الخوارج بل إنهم قسموهم إلى عدد من الفرق ثم جعلوا على كل فرقة منهم إماما ، ونسبوا إلى كل إمام جملة من الأقوال كافية لإخراجه من الإسلام . ولا أصل لتلك الفرق ولا لأولئك الأئمة، ولا لمقالاتهم عند الإباضية، بل يبرئون ممن يقول ذلك. وكان من نتيجة هذا الظلم أن أصاب الإباضية من كتاب المقالات الكثير من الأذى قد لا يكون مقصودا لكنه واقع، وقد أحدث بالفعل فجوة بينهم وبين إخوانهم في بقية المذاهب، كانت متسعة وبدأت تضيق . ونرجو أن تنكمش وتزول في هذا العصر الذي يجب أن يتلاقى المسلمون فيه على وحدة العقيدة، ووحدة العمل، ووحدة السلوك في مجابهة أعداء الإسلام مع مراعاة صادقة لحرية الرأي والفكر، واحترام كامل لجميع العلماء السابقين.
ونرجوا أن يكون هذا الموقع، مدخلا للتعريف بالمذهب الإباضي عقيدة وفكرا وسلوكا، وأن يساهم في رفع العزلة عنه وتضييق الفجوة التاريخية والفكرية بينه وبين الفرق والمذاهب الإسلامية الأخرى.