لماذا لا يرفع الإباضية أيديهم في الصلاة

سؤال يتردد على ألسنة الكثيرين من الإباضية وغيرهم. 

والإجابة باختصار:

مسألة الرفع والقبض من المسائل الجزئية في الفقه الإسلامي، والخلاف فيها يعتبر هي من الأمور الفرعية التي لا ينبغي أن تكون محل خلاف ونزاع وجدال بين المسلمين؛ لكن الدافع من طرحها في هذا الوقت هو ما بدأ ينتشر من فتاوي تصف الاباضية بصفات منها إنكار السنة، ولاشك أن الغرض من نشر هذه الفتاوى هو تفريق المسلمين في وقت المسلمون أحوج فيه إلى الوحدة والاجتماع والبعد عن الفرقة والاختلاف. لذلك رأينا من الواجب بيان الحقيقة والإجابة عن هذا السؤال المهم نقول وبالله التوفيق

إن رفع الأيدي في الصلاة وقبضها لا يُعَد سُنَّة عند الإباضية، لاختلاف الروايات الواردة فيهما، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم داوم عليها بل أن الذي ثبت هو النهي عن الرفع. ولذلك لم يقل بالرفع ولا بالقبض أحد من علماء الإباضية؛ لا من المتقدمين، ولا من المتأخرين، ولم يُذْكر في أبواب الصلاة في كتبهم. ولو كان سنة ثابتة لما تخلى عنها الإباضية وهم أحرص الناس على العمل بالسنة.

يقول الشيخ علي يحي معمر رحمه الله: إن الأعمال التي صدرت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) في بعض العبادات لسبب عارض، أو فعلها ولم يعد إليها، أو لم يثبت أنه داوم عليها، لا يعتبروها سنّة، وإنما يرونها واقعة حال يمكن الإتيان بها في ظروف مشابهة فقط، ومنها:القنوت في الصلاة، ورفع الأيدي عند التكبير والجهر بكلمة آمين بعد الفاتحة.

ومن المعلوم أن الأمر بالصلاة هو وحي من الله عز وجل  إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما صفة الصلاة  فلم تنزل في القرآن الكريم، وإنما انتقلت بطريقة عملية، وجاءت بعض تفاصيلها في روايات متفرقة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ منها ما أجمع عليها المسلمون ومنها ما اختلفوا في صحتها ودلالتها.

وقد اختلف عماء المذاهب الأربعة في مسائل الرفع والقبض، فقد اختلفوا  في حكمه فمنهم من أجازه، ومنهم من قال باستحبابه؛  كما اختلفوا في عدد مراته وتوقيته وكيفيته والحكمة منه، كما هو مفصل في كتب الفقه والحديث عندهم

وإذا كان الرفع وما يتعلق به يعد سنّة عند غير الإباضية فإن ذلك يرجع إلى مفهوم السنّة نفسه؛ فغير فإلاباضية فيعتبرون أي عمل أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة،  بينما الإباضية لا يعتبرون أي عمل من السنّة إلا اذا ثبت أن الرسول  صلى الله عليه وسلم داوم وعليه ولم يحصل فيه خلاف. ويما أن الخلاف في موضوع الرفع والقبض واسع وكبير،  فلذلك  اقتصر الإباضية على العمل بالمتفق عليه من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وتركوا ما اختلف فيه، فظن غيرهم أنهم يخالفون السنة.

وقد أخذ علماء الاباضية الأوائل بالصحيح الثابت والمجتمع عليها من هذه الروايات وتركوا المختلف فيها. ومن أهم أدلتهم ما يلي:

 أولا –  وجود حديث صحيح رواه الإمام  ينهى صراحة عن الرفع تقول: « حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ، قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حَلَقًا فَقَالَ مَالِي أَرَاكُمْ عِزِينَ، قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ.»

وكذلك الحديث الصحيح الذي رواه محدث الإمام الربيع بن حبيب: أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  «كأني بقوم يأتون من بعدي يرفعون أيديهم في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس. »

ثانيا – القائلون بالرفع مختلفون في حكمه ومواضعه وعدده وكيفيته، وهذا يناف كونه سنة متبعة

الاختلاف في حكم  الرفع

نقل الحافظ ابن حجر وهو الذي شرح أحاديث البخاري عدة أقوال في حكم الرفع منها: قول النووي :أجمعت الأمة على استحباب رفع الأيدي في تكبيرة الإحرام، ثم قال بعد أسطر: أجمعوا أنه لا يجب شيء من الرفع. كما نقل قول ابن عبد البر: “أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة”. ونقل أيضا عن صاحب التبصرة عن مالك أنه لا يستحب. ونقل عن ابن المنذر عن الزيدية أنه لا يجوز رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام  ولا عند غيرها.  (فتح الباري ). فهذه ثلاثة  اقوال تتراوح بين المنع والاستحباب والجواز) والاباضية رأوا المنع

الاختلاف في عدد مرات الرفع

أما عدد مرات الرفع فقد اختلفوا فيها على عدة أقوال، ودليل كل منهم يستند على أحد الأحاديث المروية في كتب الحديث. ومن هذه الأقوال:

أ- الرفع عند تكبيرة الإحرام  فقط

ب – الرفع عند تكبيرة الإحرام وقبل الركوع وعند الرفع من الركوع

ج – الرفع عند تكبيرة الإحرام وقبل الركوع وعند الرفع من الركوع وعند القيام من السجدتين

 د – الرفع عند المواضع السابقة وعند كل رفع وخفض وقيام وسجود وقعود.

إذن لدينا عدة روايات مختلفة في عدد مرات الرفع تتراوح بين الرفع مرة واحدة والرفع في كل تكبيرة من تكبيرات الصلاة يصل فيها عدد مرات الرفع إلى ست وعشرين مرة في الصلاة الرباعية. فأي من هذه الروايات هي السنة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم؟

الاختلاف في توقيت الرفع

اختلف القائلون بالرفع في توقيت الرفع. هل هو مع التكبير؟  أم أن التكبير يسبق الرفع؟ أو العكس.  ففي رواية ابن عمر رفع يديه ثم كبر، وفي وفي رواية مالك بن الحويرث كبر ثم رفع يديه وفي رواية وائل بن حجر رفع يديه مع التكبير.

 ثالثا – وردت أحاديث  أخرى عمن رُوي عنهم الرفع في البخاري ومسلم وغيرهما ولا ذكر فيها للرفع، منها:

الحديث المشهور باسم ” المسيء في صلاته” الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة وغيره« أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلّى فسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد وقال: “ارجع فإنك لم تصل” فرجع يصلي كما كان يصلي، ثم جاء فسلم على النبي فقال ارجع فصل فإنك لم تصل”، فرجع يصلي كما كان صلّى ، ثم صلى الله عليه وسلم فقال: “ارجع فصل فإنك لم تصل” (ثلاثا)  فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني. فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، وافعل ذلك في صلاتك كلها»

وهذا الحديث هو الأصل الذي بنيت عليه صحة الصلاة ولذلك قال بعض العلماء إن ما ذكر في هذا الحديث فهو واجب وما سواه فهو غير واجب. والرفع لم يذكر في هذا الحديث وكذلك وضع اليد اليمنى علي اليسرى، ولم يذكر فيه ايضا بعض الأعمال الأخرى التي يعتبرها البعض من السنة. فلو كان الرفع والقبض من أعمال الصلاة  لبينهما الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل.

رابعا: الإباضية من أول المذاهب الإسلامية تَكَوّنا: فالإمام الأول للإباضية هو جابر بن زيد، ولد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعاصر كثيرا من الصحابة والتابعين و أخذ العلم على كثير منهم، كأم المؤمنين عائشة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبي هريرة وغيرهم.  ولم يثبت عند الإباضية أن جابر بن زيد أو تلاميذه رفعوا أيديهم في الصلاة أو أمروا بالرفع. فلو كان رفع اليدين في الصلاة من السنن المؤكدة التي أجمع عليها الصحابة رضوان الله عليهم لكان أول من عمل بها جابر بن زيد، ولو عمل بهما لنقلهما عنه تلاميذه وأشهرهم أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة، الذي تتلمذ عليه حملة العلم إلى المشرق وحملة العلم إلى المغرب وخراسان، الذين انتشروا في الأمصار منذ بداية القرن الثاني الهجري. فترك الرفع انتقل بالتواتر العملي منذ القرن الأول الهجري  جيلا عن جيل حتى وقتنا هذا.

خامسا: ترك الرفع هو أحدا أقوال الإمام مالك، الذي رواه عنه ابن القاسم، حيث يقول: ترك الرفع أحي إلي. ( راجع تفسير القرطبي سورة الكوثر). والمالكية عبر التاريخ، وإلى وقت قريب ما كانوا يرفعون ايديهم إلا مرة واحدة، ولا يقبضونها في الصلاة. فهل هم كانوا غافلين عن سنة الرفع في كل تكبيرة، وعن قبض أيديهم في الصلاة، أم أنهم لم يعلموا أنها  من السنن إلا في العصر الأخير .

الشيخ محمد بن يوسف اطفيش

يقول الشيخ محمد بن يوسف اطفيش: “ولا قائلا برفع اليدين منا معشر المغاربة الإباضية  عند الإحرام  فمن رفعهما أو إحداهما قبل الشروع فيها صحت صلاته أو قبل الفراغ فسدت بناء على أن الإحرام  منها وصحت بناء على أنه ليس منها أو بعد الفراغ فسدت”.

الخلاصة:

1-      تبين من الروايات التي وردت في الرفع أنها  غير متفقة في كيفية الرفع، ولا في توقيته و لا في عدد مراته، كما أن حكم الفقهاء في الرفع مختلف فيه بين ومنعه وجوازه واستحبابه ولم يقل بوجوبه الا القليل، ودليل وجوبه ضعيف. فكيف يكون بعد هذا الاختلاف سنة يتربى عليها الصغير ويشيب عليها الكبير، وكيف يوصف من لا يرفع يديه بمخالفة السنة في أمر يسع فيه الخلاف.

2-      الإباضية في أمور الصلاة لا يأخذون بغير الصحيح والمجتمع عليه، وهذا من باب الاحتياط؛ خوفا من الوقوع في مخالفة النهي الصريح عن الرفع، وهم يرون أن الرفع عمل زائد في الصلاة، تركه لا يبطل الصلاة وهو الذي عليه رأي الاباضية وقدماء المالكية.

3-      الصلاة بدون الرفع صحيحة بالإجماع. لأن ما يتركونه من الأعمال فيها مختلف فيه عند غيرهم. أما الصلاة مع الرفع والقبض فهي التي يجب أن يُشّك في صحتها للخلاف المذكور أو  احتمال نسخ الروايات الواردة في الرفع او عدم ثبوتها.

4-      الاباضية لا يصفون غيرهم بمخالفة السنة، و لا يرون فساد صلاة من يرفع يديه في الصلاة، ويصلون خلف من يقول بالرفع بدون شروط أو قيود، بينما يوجد من غيرهم من يفتي بعدم جواز الصلاة خلف الإباضية، اعتقادا منه إن الاباضية ينكرون السنة ومبتدعون وخوارج الى غير ذلك من الأوصاف التي ليس لها قيمة علمية، أو حقيقة تاريخية.