قراءة الفاتحة بعد الصلاة
قراءة الفاتحة بعد الصلاة هل هو بدعة
المفتي … فضيلة الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض-رحمه الله-
السؤال … هل قراءة الفاتحة بعد كل صلاة سنة؟
و إن كانت سنة فبرهن على ذلك بحديث أو آية قرآنية، والذي دعانا إلى هذا السؤال هو أننا نقرأ الفاتحة بعد الصلاة في بلدنا وقد نهانا عن ذلك أحد المرشدين وقال إنها بدعة وإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ؟ .
فأجاب رحمه الله بجواب مطول جاء فيه بعد أن ذكر فضائل سورة الفاتحة ومكانتها وبعد أن ذكر الأدلة من القران الكريم ومن السنة النبوية التي تحض المؤمنين على الذكر الكثير في كـــل وقــت وحيـــن: (( فقراءتكم للفاتحة بعد الصلاة أفراداً، أو جماعات، داخلة في عموم الذكر الكثير الذي أمر الله به في كتابه وندب إليه ومدح أهله، بل هي من أول وأولى ما يدخل في الذكر، وفي عموم العبادات، وما يتقرب به إلى الله من النوافل لعلو شأنها، وعظيم فضلها، فإنها حمد لله، وثناء عليه، وتعبد له ودعاء، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه يذكر الله، ويستغفر، ويدعوه بعد الصلاة، وكذلك كان يفعل أصحابه وأزواجه رضي الله عنهم، وقد علم بعض أصحابه أدعية يدعون بها بعد الصلاة إما قبل التسليم، وإما بعده، كما نص عليه العلماء، وكان الصحابة يجلسون في مصلاهم بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس فيسبحون سبحة الضحى، وكان بعض أزواجه يفعل ذلك و النبيءصلى الله عليه وسلم مقر لهم على ذلك، بل ورد في بعض الروايات أنه يأمر به، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيم صح عنه: “الدعاء مخ العبادة” وقال في كتابه الكريم: “ادعوني أستجب لكم” ومدح الداعين بقوله: “يدعون ربهم بالغداة و العشي” وقوله: “يدعون ربهم خوفا وطمعا” في أمثال ذلك مما لا يخفى على التالين لكتاب الله، ومما يؤثر عن السلف الصالحين أنهم كانوا يتحرون ويأمرون بالتحري لضمان الإجابة في خير زمان، ومكان، و يرون أن الحالات لذلك آخر الصلاة، إما قبل التسليم وإما بعده، والمصلي في مجلسه لم يتحول عنه وهو مقبل على ربه يناجيه، وقد فسر المفسرون في القديم والحديث قوله تبارك وتعالى في آخر سورة الانشراح: “فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب” بالفراغ من الصلاة و الانتصاب للدعاء …. وصدر القرطبي بهذا الوجه حيث يقول: “قال ابن عباس وقتادة: فإذا فرغت من صلاتك فانصب أي بالغ في الدعاء وسله حاجتك” وقال الألوسي في تفسيره روح المعاني: (وأخرج ابن جرير وغيره من طرق ابن عباس أنه قال: أي إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء، وروى نحوه عن الضحاك و قتادة)) اهـ، … . فقراءة الفاتحة بعد الصلاة عبادة من العبادات، وقربة من القربات، ونافلة من النوافل المطلوبة من المؤمن في جميع الأوقات، والحالات، بيد أنه لا يقال إنها سنة كما لا يجوز أن يقال إنها بدعة ضالة.
والخلاصة أنه مما علم من الدين بالضرورة أن الله تبارك وتعالى أمر العباد بالذكر الكثير، وبالدعاء و الاستغفار، والتسبيح، والركوع، والسجود، وفعل الخير، والصلاة بالبكرة، والأصيل، و الغداة، و العشي وقبل الطلوع، وقبل الغروب، وحين يمسون، وحين يصبحون، وآناء الليل، وأطراف النهار، وشرع الاعتكاف بالمساجد، والاختلاف إليها، وإطالة الجلوس فيها، وقال صلى الله عليه وسلم “رهبانية أمتي عمارة المساجد” وقال: “المساجد بيوت المتقين” – وقال: “إنما جعلت لذكر الله، والصلاة” ….
ففيم يقضي العباد، والمجتهدون والعاكفون، وعمار بيوت الله الساعات الطوال في كل يوم وليلة بعد الساعات القليلة الضرورية لنومهم ومعيشتهم؟ إنهم من غير شك يقضونها في نوافل، وأعمال البر من نوع ما شرع لهم حسبما يختارونه لأنفسهم، وحسب ما يتيسر لهم وما يستطيعونه وهم في ذلك مختلفون لاختلاف طبائعهم، وأمزجتهم، فمنهم من يفضل تلاوة القرآن، ومنهم من يفضل الصلاة، ومنهم من يفضل الذكر، والتسبيح، والأذكار المأثورة كثيرة لا تحصى، ومن المصلين من يفضل كثرة الركعات، ومنهم من يفضل إطالة القراءة إلى آخر ما لا يمكن حصره من النوافل، و القربات، وتختم جميع العبادات بالدعوات الصالحات، فإن الدعاء هو ثمرتها جميعا، وقد ورد الأثر بأن الدعاء ثمرة الصلاة، وأن من صلى ولم يدع كمن هز شجرة وترك ثمرتها لم يلتقطها، وهم في جميع ذلك أحرار يختار كل منهم ما يشاء، لم يحد الله لهم في ذلك حداً، ولم يضع لهم طريقة مرسومة معينة، ولم يشترط عليهم إلا الإخلاص في العمل، فجميع النوافل إذن مشروعة بالشرع العام داخلة تحت أوامر الله العامة، والقائمون بها بإخلاص داخلون في عموم الذين أثنى الله عليهم بالذكر الكثير، والدعاء بالغداة، و العشي، و التسبيح بالبكرة، والأصيل، بيد أنه لا يجوز لهم أن يدعوا فرضية ما لم يفترضه الله، ولا سنية ما لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لهم أن ينكروا على من لم يشاركهم فيما اختاروه لأنفسهم من نافلة ليست فرضا، ولا سنة، ولا يجوز لأي أحد كان أن ينكر هذه النوافل، أو يدعي أنها بدعة، وضلالة، ولا أن يطبق عليها حديث: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” فإن هذه النوافل كلها من أمر الله، ومن شرعه العام، وإنما الأحداث المنهي عنه هو الزيادة أو النقصان في فرائض الله، أو تحريم ما أحل الله بالنص، أو تحليل ما حرم الله بالنص كذلك. وتعمد القول على الله بغير علم، وتعمد الكذب على نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد أطلق الله الحرية لعباده المؤمنين في ذكره، ولم يشترط عليهم شيئاً حتى في أوضاع أجسامهم عند الذكر فقال: “فاذكروا الله قياما وقعوداً وعلى جنوبكم”.
وبعد، فأظن أني قد بلغت ما أردت تحقيقه في هذه المسألة، فاحذروا من الذين يهونون عليكم أمر العبادات من تلاوة، وذكر، وصلاة، بدعوى أن هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكفاكم دليلا على ما مر من بينات على أنكم أحرار فيما تأتون، وتذرون، وأنكم على الصراط المستقيم، وأن أعمالكم مشروعة بالشرع العام، مأمور بها بالأمر العام، واحذروا أن تنكروا على من خالفكم في شيء من ذلك مثل الإنكار على تارك الصلاة، أو السنة المؤكدة، فإن مثل هذا الإنكار خطأ كبير، وإذا كنتم في صلاة فريضة، أو سنة مؤكدة، أو في منسك من مناسك الحج المشروعة المحددة فالزموا حدود الله، وسنة رسوله فيها، فإنه القائل صلى الله عليه وسلم “صلوا كما رأتموني أصلي” والقائل: “خذوا عني مناسككم” أما فيما عدا ذلك فأكثروا من النوافل حتى يحبكم الله، واجتهدوا في العبادة، والذكر، وأنواع البر حتى يهديكم الله، ويشملكم بمعيته، و يدخلكم في زمرة المحسنين، فإنه تبارك وتعالى يقول: “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سلبنا وإن الله لمع المحسنين”.
و من كان الله معه لم يضره شيء في الأرض ولا في السماء، وقد هدي إلى صراط مستقيم.
هذا ما من الله به من الجواب، وأرجوا أن لا يكون بعيداً عن الصواب، كما أرجوا أن ينفعكم الله به ويؤجرنا على اجتهادنا، ويغفر لنا خطايانا، ويوفقنا وإياكم جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه، إنه سميع قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، والسلام عليكم ورحمة الله)) .