عقيدة التوحيد عند الجيطالي
قال مولّفها: ينبغي أن يلقَّن الصبي هذه العقيدة مشروحة في أوَّل نشأته، حتّى يحفظها حفظاً، وهي هذه:
إنَّ الله تعالى أوجب على كلِّ بالغ سالمٍ عاقل من الآفات أن يعتقد: أنَّ الله سبحانه إله واحد لا شريك له، منفرد لا نِدَّ له، قديم لا أوَّل له، مستمرُّ الوجود لا آخر له؛ ليس بجسم مصوَّر ولا بجوهر مقدَّر؛ ولا يماثل الأجسام ولا يتجزَّأ بالانقسام؛ ولا تحلُّه الجواهر والأعراض؛ ولا تعتريه الخواطر والأغراض، ولا تحويه الأقطار والجهات، ولا تكتنفه الأرض ولا السموات؛ منزَّه عن التمييز والانتقال، مقدَّس من الزوال؛ حيُّ قادر جبَّار قاهر، لا يعترضه قصور ولا عجز، ولا تأخذه سنة ولا نوم، له ملك الملكوت والعزَّة والجبروت، منفرد بالخلق والاختراع، متوحِّد بالإيجاد والإبداع، عالم بجميع المعلومات، محيط بما يجري من تخوم الأرض إلى أعلى السموات.
لا يعزب عنه مثقال ذرَّة في الأرض ولا في السماوات، يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصمَّاء في الليلة الظلماء، يعلم حركة الخواطر وما يختلج في مكنون الضمائر، عالم بما كان وبما يكون من ظاهر ومكنون، يعلم ذلك بنفسه وبذاته، لا بعلم متجدد قائم بالذات، تعالى الله عن حلول المعاني والصفات، وهو تعالى مريد للكائنات، مدّبر للحادثات، خالق لجميع الموجودات وأفعالِها، مقدِّر لأرزاقها وآجالها؛ لا يقع كفر ولا إيمان، ولا نكر ولا عرفان، ولا سهو ولا نسيان، إلاَّ بقضائه ومشيئته وحكمه وإرادته، لا معقِّب لحكمه ولا رادَّ لقضائه.
لم يزل قادراً مريداً في الأزل لوجود الأشياء في أوقاتها التي قدَّرها لها، فوجدت في أوقاتها كما قدَّرها، من غير تقدُّم ولا تأخُّر، بل وقعت على وفق علمه وإرادته.
وهو سبحانه سميع لا تخفى عليه الأصوات، بصير لا تغيب عنه الألوان، لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي، ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دقَّ؛ يرى من غير حدقة ولا أجفان، ويسمع من غير أصمغة ولا آذان، كما يعلم من غير قلب ولا جنان، وهو تعالى متكلم بلا شفة ولا لسان.
أمر بالطاعة والإحسان، ناه عن الإساءة والعصيان؛ وأعدَّ على طاعته ثواب الخلد والجِنان، متوعِّد على معصيته عقاباً بين أطباق النيران.
وإنَّه تعالى حكيم في أفعاله، عادل في حُكمه، متفضِّلٌّ بالإنعام، متمِّيزٌ بالإحسان، لا يظلم الناس شيئاً، ولكنَّ الناس أنفسهم يظلمون، لا يسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون.
وأنّه تعالى بعث رسوله النبي الأمين، محمدبن عبد الله خاتم النبيين إلى الجنِّ والإنس أجمعين، فنسخ بشريعته جميع الشرائع المتقدِّمة إلاَّ ما لا ينسخ، من التوحيد ومكارم الأخلاق، فختم به الأنبياء، وفضَّله على جميع أوليائه من الأنبياء والأصفياء، ومنع سبحانه كمال التوحيد الذي هو قوله: لا إله إلاَّ الله، ما لم تقترن به الشهادة لرسول الله، وألزم الخلق تصديقَه في جميع ما قاله وأخبر عنه: من أنَّ الموت حقٌّ، وأنَّ البعث حقٌّ، وأنَّ الحساب حقٌّ، وأنَّ الجنة حقٌّ، وأنَّ لله جملة الأنبياء والرسل، وجملة الملائكة والكتب، والإيمان بالقضاء والقدر، وولاية أولياء الله من الأوَّلين والآخرين، والعداوة لأعدائه من الإنس والجنِّ أجمعين، ومعرفة الشرك وأحكامه، ومعرفة كبائر النفاق، وفرز كبائر الشرك من كبائر النفاق، ومعرفة تحريم دماء المسلمين وأموالهم، وسبي ذراريهم بالتوحيد الذي معهم، ومعرفة تحليل دماء المشركين وأموالهم وسبي ذراريهم، بالشرك الذي معهم، ومعرفة الملل وأحكامها، واعتقاد العبودية لله بجميع أوصافها.