حكم قص والشعر والأظافر
سؤال وجواب عن حكم قص والشعر والأظافر لمن أراد أن يضحي
السؤال
أخي العزيز: د.ماجد بن محمد الكندي…… المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف أنتم والأهل هناك في بلاد الغربة، عساكم في صحة وعافية، وأسأل الله أن ترجعوا إلى البلد وأهلكم سالمين غانمين.
كما تعلم نحن الآن في عشر ذي الحجة، وكثير من الناس يتداولون في مجالسهم مسألة الإمساك عن أخذ الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي حتى يضحي، تكرما منك بين لي هذه القضية وما هو أصل هذه المسألة وما فروعها الفقهية؟ فإن هناك شيئاً من عدم الإدراك للقضية.
تقبل تحيتي ودعواتي الصادقة لك بالتوفيق وبعودة إلى البلد سالما غانما وقد قضيت نهمتك وحاجتك
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
بارك الله فيك أخي الحبيب أبا محمد ووفقك إلى رضاه، وأسأل الله لي ولك مثل ما دعوت وخيرا منه، أما ما ذكرته من قضية فلتجلية عرضها أجعلها لك على حسب سؤالك في مطلبين، أولهما خلاف الفقهاء في القضية حتى تتبين مدى مشروعية الأمر، وثانيهما الفروع الفقهية للمسألة عند من يرى هذا الإمساك عن أخذ شيء من الشعر والظفر مشروعاً.
المطلب الأول: خلاف الفقهاء في المسألة
للفقهاء قولان في الأخذ بهذا الحكم:
القول الأول: ذهب بعضهم إلى القول بالحكم الذي ذكره السائل وأنه يمنع من أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره وبشره وأظفاره شيئا حتى يضحي، واختلفوا في هذا المنع أهو للكراهة أم هو للتحريم ولهم في ذلك قولان.
أولهما وهو الذي عليه أكثرهم -فيما يظهر- أن النهي هنا للكراهة فيكره لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره وبشره شيئا حتى يضحي، وهذا الرأي اختاره القطب من علمائنا المتأخرين في”شرح النيل”، ولم أجد إلى الآن تعرضا للقضية بالمنع أو الإباحة عند غيره من فقهائنا المتقدمين وكأني بهم يأخذون بالقول المجيز للأحذ دون كراهة وأن الأصل في الأمر الإباحة كما هو رأي الحنفية، ومما يؤكد ذلك نص ذكره ابن أبي شيبة في كتاب “المصنف في الحديث والآثار” في معرض ذكر أقوال من لا يرون المنع من الأخذ من الشعر في الأيام العشر لمن أراد أن يضحي وفيه أن إمام المذهب جابر بن زيد –رحمه الله- كان يزيل شعره في العشر من ذي الحجة.
وثاني القولين عند القائلين بالنهي هو أن النهي الوارد محمول على الأصل الذي هو التحريم وهذا الرأي هو المشهور عند الحنابلة والظاهرية، وسيأتي ذكر دليل كل قول من أقوال هؤلاء –إن شاء الله-.
وثمة استثناء حسن أورده بعض الفقهاء القائلين بالمنع حينما بيّن أن هذا النهي إنما هو إن لم تكن هناك حاجة للمخالفة وما لم يحتج إلى القطع، وذلك أنه قد يجب القطع لبعض البشر كقطع يد السارق أو الختان للبالغ، وقد يندب القطع كتنظيف الشعث لمريد الإحرام أو مريد حضور الجمعة، وقد يباح كقلع سن موجعة، وهذا حسن فيه جمع بين الأدلة المختلفة وموازنة بين المصالح والمفاسد وبين المصالح نفسها والمفاسد نفسها.
أدلة القول:
استدل أرباب هذا القول بحديث سعيد بن المسيب عن أم سلمة –رضي الله عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً”.
وأصحاب القول بالتحريم نظروا إلى ظاهر النهي الذي الأصل فيه التحريم كما هو مترجح عندهم في الأصول وبقوا عليه، ولم يروا قرينة تصرف عن الأصل التحريمي للنهي، وأما دليل خصومهم القائلين بعدم النهي والذي جاء من حديث عائشة -كما سيأتي- فرأوا أن حديث أم سلمة –رضي الله عنها- مقدم عليه لقاعدة أنه إن تعارض حديث قولي وآخر فعلي قدم الحديث القولي لاحتمال كون الفعلي خاصاً بالنبي –صلى الله عليه وسلم-، وكذلك لقاعدة أنه إن تعارض حديث وارد على الأصل وآخر منشئ حكماً جديداً فإنه يقدم الحديث المنشئ حكماً جديداً، وكذلك لو تعارض حديثان أحدهما مبرئ للذمة والآخر شاغل لها فإنه يقدم الحديث شاغل الذمة ولذلك قالوا إن النهي هنا للتحريم؛ لأنه الأصل في النهي فمن أخذ شيئاً من شعره أو أظفاره وهو يريد أن يضحي كان آثماً –على هذا الرأي- وهو اختيار الحنابلة.
غير أن القائلين بالنهي على سبيل الكراهة سلكوا مسلك الجمع بين الروايتين كما هو حال القطب –رحمه الله- في “شرح النيل” فقالوا إن حديث أم سلمة الذي تقدم ذكره يدل على النهي إلا أنه نهي كراهة وليس نهي تحريم بدلالة فعل النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي روته عائشة –رضي الله عنها- وهو الذي نقل أصل النهي من التحريم إلى الكراهة، والحديث سيأتي ذكره في أدلة القائلين بعدم المنع.
القول الثاني:
لا يمنع من أراد أن يضحي من إلقاء التفث بحلق الشعر أو تقليم الأظفار أو قص شيء من الجلد الزائد أو غير ذلك بل هي أعمال باقية على أصلها الإباحي بل الندبي الذي لم ينقله ناقل، وهذا أقرب الأقوال وأوجهها للأدلة الآتية:
الدليل الأول: الأصل في الأشياء الإباحة، والمضحي ليس بمحرم حتى يمنع من الأخذ من شعره وأظفاره، وأما حديث أم سلمة الذي استدل به أرباب القول الأول فليس بثابت مرفوعاً لينقل عن الأصل الإباحي.
الدليل الثاني: فعل النبي –صلى الله عليه وسلم- فإنه في آخر عيد أضحى قضاه بالمدينة المنورة ما كان يمتنع عن شيء من المباحات المذكورة ولو كان هناك نهي لامتنع –صلى الله عليه وسلم- إذ كيف ينهى عن شيء ثم يأتيه والقاعدة على لسان شعيب عليه السلام تقول: (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه).
وهذا التصرف منه –صلى الله عليه وسلم- روته السيدة عائشة –رضي الله عنها- فقد روى الإمام الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي سعيد الخدري قال: قالت عائشة: أنا فتلت قليد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي، ثم قلدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم بعث بها مع أبي، فلم يحرم رسول الله شيئاً أحله الله له حتى ينحر هديه اهـ.
واتفق الشيخان على الحديث بلفظ: “أنا فتلت قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي ثم قلدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيديه ثم بعث بها مع أبي بكر -رضي الله عنه- ثم لم يحرم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء كان أحله الله له حتى نحر الهدي”.
ووجه الشاهد من الحديث ظاهر في قولها: “ثم لم يحرم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء كان أحله الله له حتى نحر الهدي”.
والسابق الذي ذكرته السيدة عائشة –رضي الله عنها- كان هدي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وضحاياه؛ لأنه كان بالمدينة وأرسلها مع أبي بكر الصديق أمير الحج في السنة التاسعة للهجرة، وحكم المرسلة إلى الحرم أغلظ لسوقها إلى الحرم فلما لم يحرم على نفسه شيئاً كان غيره أولى بالحكم الإباحي إذا ضحى في غير الحرم.
وعند النظر إلى تعارض حديث عائشة هذا وحديث أم سلمة الذي تقدم ذكره يتقرر ترجيح حديث عائشة في إباحة الفعل وأنه لا ينهى من أراد الأضحية عن أن يأخذ شيئاً وأن يلقي تفثه، وهذا الترجيح معلل بأمور:أولا: حديث أم سلمة الذي فيه المنع مختلف فيه بين الرواة أهو موقوف أم مرفوع إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-، بيان ذلك أن الحديث جاء مرفوعا من طرق منها رواية مالك بن أنس عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب ، عن أم سلمة، غير أن الرواة عن مالك بن أنس اختلفوا فيه:
فرواه شعبة عن مالك عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة مرفوعا.
ورواه ابن وهب وعمر بن فارس عن مالك عن عمر بن مسلم الجندعي عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة موقوفا عليها من كلامها.
ورواه من الطريق السابق غير مالك بن أنس فقد رواه سعيد بن أبي هلال عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب ، عن أم سلمة مرفوعا.
وممن رواه مرفوعا ما جاء من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أم سلمة مرفوعا.
وممن رواه مرفوعا عبيد الله بن معاذ عن أبيه معاذ بن معاذ العنبري عن محمد بن عمرو عن عمر بن مسلم بن عمارة بن أكيمة الليثي قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت أم سلمة ورفع الحديث.
ومما يشكل على هذا كله أنه نقل الحافظ ابن عبد البر في “التمهيد” و”الاستذكار” وهو الماهر بروايات الإمام مالك أن الإمام مالك بن أنس ترك التحديث بهذا الحديث في آخر عمره ونقل عن عمران بن أنس أنه سأل مالكا عن حديث أم سلمة هذا فقال: ليس من حديثي، قال: فقلت لجلسائه: قد رواه عنه شعبة وحدث به عنه وهو يقول ليس من حديثي؟! فقالوا لي: إنه إذا لم يأخذ بالحديث قال فيه ليس من حديثي اهـ.
وأما الموقوف فجاء مع طريق ابن وهب عن مالك بن أنس المتقدم ذكرها كما جاء من طريق ابن وهب أخبرني أنس بن عياض عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قالت أم سلمة موقوفا.
كما جاء الموقوف صحيحا عند الحاكم من طريق آدم بن أبي إياس ثنا بن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أم سلمة.
ورواه الطحاوي في مشكل الآثار أيضا من طريق عبد الغني بن أبي عقيل حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة موقوفا عليها، وإمام علم العلل الدارقطني نقل عنه جمع من الأئمة منهم الحافظ عبد الحق الإشبيلي وابن الملقن وابن حجر وغيرهم أنه قال في حديث أم سلمة: “الصحيح عندي أنه موقوف” كما قال بوقفه ابن عبدالبر والطحاوي.
وملخص الاختلاف في الوقف والرفع أنه روى الحديث عن أم سلمة راويان أولهما أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف كما في رواية الحاكم التي تقدم ذكرها، وقد تقدم أنه ما رواه عنها إلا موقوفا عليها من قولها دون خلاف، والراوي الثاني عن أم سلمة هو سعيد بن المسيب وهو الذي كان فيه الاختلاف السابق حيث رواه عنه راويان اختلف على كل منهما مما يسقط روايتهما على الأقل فتبقى رواية أبي سلمة لا خلاف فيها أنها موقوفة مع صحة إسنادها، وبذلك يترجح وقف الحديث على رفعه، ويتأيد القول بالوقف أيضا بعموم حديث عائشة الأقوى سندا ومعنى والأكثر عملا وفيه وصف حال النبي وأنه ما كان يمتنع عن شيء أحله الله له، فتبقى القضية اجتهاداً لأم سلمة –رضي الله عنها- أو فتوى لسعيد بن المسيب ولا يلزم أن يتابعا على ذلك.
وما دام الموقوف هو الصحيح فالمسألة مسألة اجتهاد لغير أم سلمة أن يخالفها فقول الصحابي فيما يسوغ فيه الاجتهاد مع خلاف غيره يستدل له ولا يستدل به وكما قال الإمام السالمي في شمس الأصول:
وليس بالمقطوع والموقوف تقوم حجة ولا الضعيف
وقد اختلف أهل العلم وتباينت نظرتهم في الحديث إن تعارض فيه الوقف والرفع فقيل يؤخذ بالموقوف، وقيل يؤخذ بالمرفوع، وقيل تنظر القرائن ويدار الحكم عليها وهو الأوجه، وهذا الخلاف في ثبوت النهي عنه –صلى الله عليه وسلم- يرجح الأخذ بحديث عائشة الذي لا خلاف فيه فضلا عن موافقته للأصل والقياس؛ فإن ما لم يختلف فيه مقدم على ما اختلف فيه.
على أنه للخلاف في حديث أم سلمة رأى بعض الأئمة تضعيفه للاضطراب، قال الحافظ ابن عبد البر: حديث أم سلمة مختلف فيه، وفي رواته من لا تقوم به حجة، وأكثر أهل العلم يضعفون هذين الحديثين اهـ ويعني بالحديثين حديث أم سلمة المذكور والحديث الثاني حديث محمد بن عمرو عن شيخ مالك قيل له: إن قتادة يروي عن سعيد بن المسيب أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا إذا اشتروا ضحاياهم أمسكوا عن شعورهم وأظفارهم إلى يوم النحر والذي ذكره في “التمهيد”.
ثانيا: في ألفاظ حديث أم سلمة اضطراب ومن ذلك أن ألفاظ الروايات التي أتى بها مسلم وحده في صحيحه هي:
1-إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا.
2- إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يأخذن شعرا ولا يقلمن ظفرا.
3-إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره.
4- من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي.والألفاظ السابقة متباينة وتترتب على كل منها أحكام فقهية مختلفة تظهر في فروع القائلين بظاهر الحديث.
ثالثا: حديث عائشة موافق للقياس وفروع الشريعة الأخرى، أما حديث أم سلمة فمخالف له، وما كان من الأدلة موافقا للقياس مقدم في حال التعارض والتكافؤ على ما كان مخالفا له، بيان ذلك أن من أراد الأضحية مُحِلٌّ وليس بمحرم اتفاقا لذا لم يكره له أخذ شعره وبشره كغير المضحي، ولأن من لم يحرم عليه الطيب واللباس والجماع لم يحرم عليه حلق الشعر كالمحل، فقد أجمع العلماء على أن الجماع مباح في أيام العشر لمن أراد أن يضحي فما دونه من حلق وغيره أحرى أن يكون مباحا كما قرر ذلك غير واحد من الأئمة.
وقد أشار إلى هذا الأمر أحد أئمة التابعين حينما عرض عليه قول سعيد بن المسيب القاضي بالأخذ بظاهر الحديث فأجاب عكرمة بقوله: ألا يعتزل النساء والطيب؟! اهـ.
رابعا: حديث عائشة في آخر عيد أضحى قضاه النبي –صلى الله عليه وسلم- فقد كان في السنة التاسعة لذا ذهب بعض الفقهاء إلى أنه متأخر فيكون ناسخا لحديث أم سلمة إن قيل بثبوت حديث أم سلمة.
خامسا: حكى غير واحد أنه ما كان يعمل بحديث أم سلمة ومن ذلك ما قاله الليث بن سعد بعد أن ذكر له حديث أم سلمة الذي فيه النهي: “قد روي هذا والناس على غير هذا”.
وختاما هذا الذي يقال في القضية ومدارها –كما رأيت- على حديث أم سلمة أهو موقوف أم مرفوع صحيح، وهل يضعف بالاضطراب أو لا، وإن كان صحيحا فما هو اللفظ الأقرب في النظر من حيث القرائن الظاهرة إلى قول النبي –صلى الله عليه وسلم-، فمن رآه صح مرفوعا فإنه يأخذ بالحكم، والأوجه أن يقال هنا إنه للكراهة إن حكم بثبوته، ومن لا يرى ثبوته مرفوعا قال بالأصل الذي هو قاض بعدم النهي مما يستلزم الإباحة الأصلية، والقول الثاني فيه وجاهة وقوة وقرب من النفس فالأظهر في حديث أم سلمة أنه موقوف وليس بمرفوع، وعليه فمن أخذ فلا شيء عليه، والله أعلم
المطلب الثاني: فقه حديث أم سلمة عند من يرى صحته
أولا: ما الممنوع من إلقائه
ذهب بعض الفقهاء إلى أن الممنوع إنما هو أخذ الشعر فقط فقوله شعره يريد به شعر الرأس وقوله بشره يريد به شعر باقي البدن؛ لأنه لا أحد يأخذ من بشرته، وعلى هذا الرأي لا ينهى عن تقليم الأظفار، وهؤلاء تسعفهم الرواية الأولى للحديث، لكن ذهب آخرون إلى أن تقليم الأظفار مما يدخل في النهي للتصريح به في بعض الروايات وتدل عليه الألفاظ الأخرى للحديث؛ فإنها كلها مصرحة بالنهي عن تقليم الأظفار.والإشكال الذي يرد على هذا الاختلاف في الألفاظ أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ما أتى إلا بلفظ واحد؛ إذ مخرج الحديث وواقعته واحدة فيما يظهر فبأيها نطق النبي –صلى الله عليه وسلم- هل بالنهي عن أخذ الأظفار أم لم ينطق به؛ إذ الحكم وارد على خلاف الأصل ومثل ذلك حكمه أن يقتصر به على مورد النص.
ثانيا: مبدأ وقت النهي عن إلقاء التفث
للفقهاء الآخذين بحديث أم سلمة خلاف في مبدأ النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار على أقوال:
القول الأول: العزم على التضحية، فبمجرد أن يقصد التضحية فإنه يتوجه إليه النهي عن قص الشعر والظفر، ودليل هذا القول اللفظان الأول والثالث للرواية وهو قوله في أولهما: “إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا”، وقوله في ثالثهما: “إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره”.
القول الثاني: لا يتوجه النهي عن الحلق أو التقليم حتى يشتري الأضحية أو يعينها من جملة مواشيه، وعلى هذا القول فيكره أخذ الشعر أو تقليم الأظفار بالشراء أو التعيين، ولا يكره بالعزم والنية قبل التعيين، وهذا القول يعين عليه اللفظان الآخران وهو قوله في ثاني ألفاظ الرواية: “إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يأخذن شعرا ولا يقلمن ظفرا”، وقوله في رابع الألفاظ: “من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي”.
القول الثالث: من الفقهاء من نص على أن النهي في حديث أم سلمة متوجه إلى من كانت عنده أضحية يريد ذبحها وأهل عليه هلال ذي الحجة وهي عنده دون من اشتراها بعد هلاله عليه أخذا من لفظ بعض الروايات ذات الأسانيد الصحيحة التي فيها: “من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي”.
والترجيح بين الرأيين عسير لأنه مبني على المراجحة بين روايات الراوين وهذا من أعسر الأمور وأضيقها.
ثالثا: من كانت لديه أكثر من أضحية فبأيها يتعلق منتهى النهي
اختلف القائلون بظاهر حديث أم سلمة فيمن أراد أن يضحي بعدة أضاح فقال بعضهم إن النهي يرتفع عنه بذبح الأضحية الأولى، ومنهم من قال إن النهي يلحقه إلى أن يذبح كل ما نوى، ولعل سبب الخلاف هو اختلافهم في القاعدة الأصولية هل الحكم المعلق على الاسم يقتضي الاقتصار على أوّله أو لا بدّ من آخره، او كما يقول الشيخ عامر كثيرا في الإيضاح: هل العبرة بأوائل الأسماء أم بأواخرها، فمن قال بالأوائل جعل منتهى النهي ذبح الأضحية الأولى، ومن قال بالأواخر جعل منتهى النهي ذبح آخرها.
رابعا: من هو المخاطب بالنهي عن إلقاء التفث؟
ذهب بعض الفقهاء القائلين بالاحتجاج بحديث أم سلمة إلى أن المخاطب به الرجال فحسب وأما النساء فلا يدخلن فيه احتجاجا بلفظ إسناده صحيح أيضا كإسناد مسلم رواه أحمد عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد سمع سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إذا دخلت العشر فأراد رجل أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره”، إلا أن أكثر القائلين على أن الحكم شامل للجنسين معا فهو معلق بإرادة التضحية، وهذا أولى إن قيل بثبوت حديث أم سلمة إذ من ألفاظ الحديث وأشهرها (وأراد أحدكم) وهذا يشمل الرجال والنساء، وأما رواية (رجل) فهي من الألفاظ التي اختلفت فيها روايات الحديث، ولو قيل بها لقيل إنها منطوق لا مفهوم له لأنها واردة على سبيل التغليب.
وثمة خلاف آخر في المخاطب بحديث أم سلمة –رضي الله عنها- فقيل إنه لا يخاطب به إلا من ضَحَّى، أما من ضُحِّي عنه فلا يدخل في الخطاب لظاهر الحديث (وأراد أحدكم أن يضحي) والمُضَّحى عنه لم يضح حقيقة، غير أن هناك قولا لبعض الفقهاء يفيد أن هذا الحكم شامل لمن ضَحَّى أصالة ولمن ضُحِّي عنه، وعلى هذا الرأي فيؤمر أهل البيت أيضا بالامتناع عن الأخذ من الشعر والظفر حتى تذبح أضحيتهم، إلا أن الرأي الأول أشهر وأكثر ولعله أقرب إلى دلالة ظاهر الحديث.
وأخيرا….
هذا ما يسره الله جوابا على سؤالك، أسأل الله أن ينفع به إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أخوك الداعي لك بالخير: د.ماجد بن محمد الكندي
السبت 6 من ذي الحجة 1434هـ
12/10/2013م