تأثر المذاهب الدينية بالاتجاهات السياسية
بدأ مفهوم جديد يسيطر على أذهان المثقفين – بسبب ما أشاعه بعض المستشرقين واتبعهم فيه كتاب مسلمون – وذلك بزعمهم أن الأمة الإسلامية تنقسم إلى أحزاب ومذاهب ، وهو مفهوم خاطئ لأن السياسة في الإسلام تكون جزءاً من أحكام الشريعة وليس هناك مذهب إسلامي ليس له آراؤه في العقائد والسياسة والفقه ، أما منشأ الخلاف فقد بدأ بخروج طلحة والزبير ومعاوية على علي ، ومن هؤلاء تكونت مذاهب جمهرة المسلمين ، ومن أنصار علي تكونت مذاهب الشيعة ، ولكلا المذهبين أصوله في السياسة والعقائد والفقه وإن شئت مزيدا من التفصيل فاقرأ الفصل الآتي :
تأثر المذاهب الدينية بالاتجاهات السياسية
عندما اضطربت الأمور في أواخر الخلافة الرشيدة ، وعند صدر الدولة الأموية ، وبرز الصراع على الحكم بروزا واضحا بين مختلف طوائف الناس ، وظهرت الرغبات المادية الملحة طافحة على تصرف الأفراد والجماعات ، انقسمت مواقف الناس إلى عدة تكتلات أو أصناف كما يلي :
الأول : التكتل الأول يتمثل في موقف أتباع ذلك الصنف الذكي المرن الذي لاحظ أن الحكم – حين وصل إلى الأيدي الأموية – بدأ يتجه على ملكية وراثية ممتدة ومسيطرة ، فرأى أن يستمسك بالجانب الأقوى في الميدان، وجعل وسيلته للسيادة على جمهرة المسلمين هي ارتباطه بالسلطة القائمة فعلا . فارتبط أولا بالدولة الأموية ثم بالدولة العباسية ثم بالدولة العثمانية ، وفيما بين ذلك كان يرتبط ببعض الدول التي تقوم هنا أو هناك ثم تزول . ومن هذا التكتل تكونت مذاهب الأشاعرة والظاهرية والحنابلة والمعتزلة .
الثاني : التكتل الثاني يتمثل في موقف أتباع ذلك الصنف العاطفي الذي كان يتأثر بالأحداث منذ وفاة الرسول r ، واختيار الناس أبا بكر ، دون علي للخلافة حتى مقتل الحسين . فرأى أن يجعل وسيلته للتحكيم وللسيادة على جمهرة المسلمين هي جوانب عاطفية ، فاستمسك بأهل البيت وحاول أن يحصر فيهم حق السيادة والحكم بطريق الوارثة أو دعوى الوصية المتسلسلة فيهم دون غيرهم ، ومن هذا التكتل تكونت مذاهب الشيعة (52)بمختلف فرقها .
الثالث : التكتل يتمثل في موقف أتباع ذلك الصنف الذي رفض فكرة الواقعية التي تبناها الصنف الأول ، ورفض فكرة الوصية التي تبناها الثاني ، وجعل وسيلته للوصول إلى الحكم ، وللسيادة على جمهرة المسلمين مثالية مطلقة في اختيار الحاكم ثم قطع عذر من خالف هذا الرأي ومن هذا الصنف تكونت مذاهب الخوارج .
التكتل الرابع : خلال الصراع بين هذه الأصناف الثلاثة في صدر الدولة الأموية نبت تكتل آخر ، وقف موقفا وسطا بين هذه الأصناف المتصارعة والتيارات المتعارضة ، فلم يتخذ كامل موقف المرونة التي ترضى بالأمر الواقع وتستسلم له مهما كانت الظروف . ولم يتخذ كامل موقف الوصية الوراثية الذي يحصر الحكم في أسرة واحدة على مدى التاريخ ، ولم يتخذ كامل موقف المثالية الدكتاتورية التي تفرض نفسها على جميع الناس . فخالف الصنف الأول حين أجاز الخروج على الحكم القائم إذا ترجح أن الخروج يحقق – للأمة – مصلحة ، ولا ينتج عنه ضرر محقق أكبر مما هم فيه . وأجاز على كل الأحوال الدفاع والشراء لإقلاق الأنظمة القائمة وزعزعتها إذا كانت جائرة .
وخالف الصنف الثاني فلم يقبل بالوصية ولم يعترف بنظام الدولة وقصر الحكم على بيت واحد على مدى التاريخ .
وخالف الصنف الثاني في أنه لم يوجب الخروج على أئمة الجور في جميع الأحوال ، ولم يفرض مبدأ على جميع الناس ، ولم يقطع عذر من خالفه ومن هذا الصنف تكونت مذاهب الإباضية .
ولقد كان لكل واحد من هذه الأصناف اتجاهات لها خطوط عريضة انبنت عليها بعد مذاهبهم في العقيدة والسياسة .
ولاشك أن أول هذه الأصناف تفكيرا وتخطيطا وظهورا على مسرح الحياة هو الصنف الأول ، ورغم أنه هو المحرك الأساسي لقضية الخلاف ، وأن من كان يطلق عليهم كلمة العثمانية هم الذين انشقوا في الحقيقة عن مركز الخلافة ، وإن العثمانية في الواقع ليست إلا حركة ظاهرية للسياسة الأموية العميقة التي استطاعت بالدهاء والمرونة أن تكسب الموقف ، وأن تبرز نفسها في صورة الأصل الثابت وتبرز الشيعة والخوارج في صورة الأحزاب المتطرفة المنشقة ، استطاعت أن تحتضن الألسنة والأقلام وأن تسخر كتاب المقالات والمؤرخين فيما بعد فأضافوا على مسلكها ثوب الشرعية ، ووجدوا لها مبررات برروا بها انشقاقها في مبدأ الأمر ، بما لم يخطر لها هي نفسها على بال. وإنك لتقرأ لكتاب هذا العصر فتعجب كيف يتسنى لبعضهم أن يصفوا تلك الأحداث بهذا الشكل ، ولعلك تريد مثلاً من ذلك فإليك هذه الصورة التي يضعها أستاذنا الفاضل الشيخ أبو زهرة في كتابه القيم المذاهب الإسلامية.
” إن الخلاف بين علي والأمويين انبعث عن فكرة هي : من لهم حق اختيار الخليفة ؟ أهم أهل المدينة وحدهم والناس لهم تبّع ، أم حق الاختيار للمسلمين في كل البقاع ؟ ونتج عن هذا الخلاف ظهور الخوارج والشيعة ونجم عن ظهور الخوارج انبعاث حروب شديدة بينهم وبين علي ، وبينهم وبين الأمويين .
ونتج عن ظهور الشيعة حروب انتهت بقيام الدولة العباسية ” نقلت العبارة بتصرف قليل .
بالإضافة إلى التكتلات الأربعة التي أشرنا إليها فيما مضى كان هناك تحرك خامس انبعث مع التكتل الأول الثاني ثم غلبت عليه الأحداث فلم يظهر إلا بعد انتهاء الخلافة الرشيدة . ولكن هذا التحرك لم ينبن عليه اتجاه مذهبي ، ولذلك فقد انقطع منذ انتهى محركه الأول وأعني به ما قام به عبدالله بن الزبير، وقد اعتمد ابن الزبير في حركته على مزايا شخصية فقط يلخصها قوله في حوار له مع عبدالله بن عباس ” أصبحت في قريش بمنزلة الرأس ، بل منزلة العينين ، فأنا ابن الزبير حواري رسول الله ، وأمي أسماء ذات النطاقين بنت أبي بكر t ، وعمتي خديجة سيدة نساء العالمين ، وجدتي صفية عمة رسول الله r ، وخالتي عائشة أم المؤمنين . ” فلم ينجح ابن الزبير رغم هذه المزايا لأنه لم يستمر مع التكتل الأول – إذا انفصل عنه بعد فتنة الجمل – فلم يؤيده الحزب الأول . وكان قد حارب التكتل منذ بيعة علي بن أبي طالب فلم يؤيده الحزب الثاني . ولم يوافق على مبادئ التكتل الثالث فلم يؤيده الحزب الثالث ، أما التكتل الرابع فكان يرى فيه صورة أخرى للسياسة الأموية ينتج عنها إن نجحت ، ملك آخر عضوض ، ولذلك فلم يؤيده الحزب الرابع ، فكانت حركته تشبه أن تكون نبتة ضئيلة تحاول أن تنمو وتمتد في ميدان تتصارع فيه زوابع عاصفة ، فلم تلبث أن اختفت بين تلك الزوابع العنيفة .
وقيل أن نمضي في هذا النقاش ينبغي أن نشير على صورة جانبية أثناء الأحداث لا يمكن أن تسقط من الحساب ، فعندما نقم ناقمون على أمير المؤمنين عثمان كان جمهور الناس في شبه ارتباك لا يعرفون ما هو التصرف الذي ينبغي لهم ، فاندفع بعض الشباب إلى بيته لحمايته من المهاجمين ، لكن أغلب المسلمين وقفوا في شبه حياد وذهول وارتباك ، ورغم أن الانتقاد على أمير المؤمنين استمر نحو ست سنوات ، ولكن أحدا لم يتخذ موقفا صارما ، ولا أهل الشام ولا أهل العراق ولا أهل مصر ولا حتى أهل الحرمين ، حتى وقعت الكارثة . وقتل عثمان . هذا الجمهور الصامت المترقب هل هو مع عثمان ، هل هو ضد عثمان ! هل هو على الحياد الكامل ، كأن المسألة لا تعنيه ؟ إن التفسير الوحيد لهذا الموقف الجامد ، أن الارتباك الذي يقيد صاحبه عن الحركة فلما تحرك العثمانية بعد هذا الدور وأرادوا أن يستغلوا هذه الفتنة ضد الخلافة التي قامت بعدها لم يقف الجمهور مرتبكا كما وقف في المرة الأولى ، لقد انضم الفريق الأكبر إلى تأييد الخلافة الجديدة ، وانضم فريق آخر إلى الناقمين عليها وأعلن فريق ثالث – ويتكون من عدد قليل جدا – أنه يقف على الحياد الكامل ، وسار على مبدئه وحافظ عليه في جميع الأحداث التي وقعت بعد ، فبقي على الحياد . هؤلاء الحياديون لم يكونوا تكتلا ولم ينصروا حزبا على حزب(53)بل إن كل واحد منهم قد اتخذ لنفسه ذلك الموقف بناء على اقتناعه الشخصي فقط ، ولم ينتج عن موقفهم هذا اتجاه مذهبي ولذلك لن ندخلهم في الاعتبارات السابقة .
ولا شك أن تلك الاتجاهات السياسية قد نتجت عنها صراعات مذهبية فقهية وكلامية ، كانت متأثرة إلى جد ما بتلك الظروف والحركات والاتجاهات .
فكان أهل السنة مثلا – وقد انضموا تحت جناح الدولة الأقوى التي اتخذت لنفسها اسم الخلافة دون أن تلتزم بشرطها – مشغولين بقضية شرعية الدولة التي تفرض نفسها بالسيف . وإعطائها حق أولي الأمر ، ووجوب خضوع الرعية لهذا الحاكم ، وعدم السماح له بالخروج ، وقد نشأ عن فلسفة الحكم عند أهل السنة عدد ضخم من القضايا الفقهية والكلامية ، نوقش بعضها في محيطهم الداخلي ، ونوقش البعض الآخر مع الفرق الأخرى من المسلمين
وكانت الشيعة بمختلف فرقها مشغولة بالإمامة ، وقد أخذ منها التفكير في موضوع الإمامة جانبا هاما من الدراسة ، فبعد أن اتفقت على الوصية احتارت من أي بني هاشم يكون الإمام ! وكيف يتسلسل ، وكيف تتم الوصية وما هو الحكم عندما تخلو البلاد الإسلامية في واقعها من خليفة هاشمي، وهل عدد الأئمة محصورا . وقد انبنت على هذه الجوانب كلها أعداد ضخمة من القضايا الفقهية والكلامية فيما بين فرق الشيعة وحدها ونوقش البعض الآخر بينها وبين المذاهب لأخرى . ولعل القارئ الكريم يلاحظ أن هناك تقاربا كبيرا بين أهل السنة والشيعة والخلاف بينهما يكاد يكون لفظيا ، فبينما يرى الشيعة أن الإمام معصوم ، وأن الخروج عليه فسق ، وأن حكمه تشريع ، يرى الأشعرية أن الإمام ليس معصوما ولكن خطأه لا يبيح الخروج عليه ، فطاعته واجبة والخروج عليه فسق وإن كان جائزا , فهما يسيران في موضوع علاقة الأمة بالحكم أوفى وأوسع من تفصيلات غيرهم مما حملهم أن يعتبروا أن مسالك الدين أربعة هي الظهور والدفاع والشراء والكتمان .
وقد كتب للصنف الأول من هذه المذاهب أن ينجح سياسيا وعدديا بما له من مرونة تساعد على اتخاذ المواقف تبعا لظروف السياسة ، فكان هذا الصنف على مدى التاريخ محتميا – أو بعبارة أصح – مرتبطا بالسلطة ، وكانت السلطة تحتضنه في كل المواقف الحرجة . ولا شك أن الفقيه (54)الذي
يقوم فيقول عن سلطان ما هذا أمير المؤمنين وولي أمر المسلمين ! فإذا جاء متسلط آخر فقتله وتسلم زمام الحكم منه ثم جلس في مكانه ، قام ذلك الفقيه نفسه فوجه إلى الحاكم الجديد نفس العبارة هذا أمير المؤمنين وولي أمر المسلمين ، وطاعته واجبة والخروج عنه فسق . إن هذا الفقيه الذي يجمع في إمرة المؤمنين وولاية المسلمين بين القاتل والمقتول ، هو أقدر على الاحتماء بالحكم واستغلاله وهو أقرب إلى الحكام لأنه أطوع في أيديهم وأفيد لهم .
وعلى مقدار المرونة والتشدد في قضية الحكم استطاعت المذاهب أن تتمدد وتنتشر تحت ظلال السلطة ، بل استطاعت أن تستغلها أحيانا في إذابة المذاهب الأخرى فيها وأن تحتمي بها أحيانا أخرى .
وبقطع النظر عن المد والجزر الذي يلحق أتباع المذاهب المختلفة في المواطن المختلفة فإن الفقه المذهبي قد تأثر تأثرا واضحا بالاتجاهات أو المبادئ السياسية التي يسير بها أو يدعو إليها ، وفي الإمكان أن نذكر كمثل لذلك في المذهب الإباضي موضوع ( الشراء ) والأحكام المتعلقة به . متى يجوز الشراء؟ ومن يجوز لهم الشراء ؟ وما هو أقل عدد يشترط للخروج إلى الشراء ؟ وسلوكهم مع الناس ، المحافظة على الأموال ، عدم ترويع الامنين ، حكم انتهاك الحرم والبغي والتعدي . متى يجوز للشاري أن يتخلى عن الشراء ، موطن الشراء أثناء قيامهم بعمل الشراء ، صلاة الحضر وصلاة السفر إليهم ، موقفهم من الدولة ومن أموال الدولة القائمة الخ .
وهو باب غني بالمسائل الفقهية نستطيع أن نعتبرها جميعا من الفقه متأثرا بالاتجاه السياسي . ولعل أكثر أبواب الفقه تأثرا بالاتجاهات السياسية هي أبواب الأموال عموما وأبواب الولاية على النفس وعلى المال عند جميع المذاهب ، بل إن المتعمق في دراسة الفقه الإباضي يلحظ هذا التأثر في آراء المشارقة من الإباضية وآراء المغاربة منهم ، وذلك أن المشارقة وهم أهل عمان وزنجبار ( سابقا ) كانت تقوم عندهم دول باستمرار عادلة أحيانا وجائزة أخرى ، فكانت الصلاحيات للولاة والقضاة فيها أوسع منها مما في المغرب .
والمغاربة من الإباضية وقد عاشوا غير خاضعين لدولة منذ أواخر القرن الثالث الهجري مطلقا ، أو خاضعين لدولة لا تلتزم أحكام المذهب الإباضي يضيقون شديدا ، ويتوسعون في صلاحيات جماعة المسلمين وكبار العشيرة ، ونظام العزابة ، توسعا شديدا وهذا ولا شك ناشئ من تأثر الفقه بالسياسة .
والذي ينبغي أن ننتهي إليه في نهاية هذا الفصل – بقطع النظر عن حركة ابن الزبير التي انتهت بانتهائه وعن موقف الحياديين الذين اعتزلوا جميع الحركات منذ بدأت الفتنة فلم يتركوا بعد ذلك أثرا – هو ما يلي :
في أواخر الخلافة الرشيدة وأوائل الدولة الأموية انقسم المسلمون – بسبب الفتن ثم تحول الخلافة إلى ملك غضوض – إلى عدد من التكتلات التي تميزت في مبدأ أمرها بنزعة سياسية والفقه والحكم وهي كما يأتي :
– التكتل الأموي وهو الأكثر والأقوى ، والمبدأ الأساسي الذي ارتبط به في موضوع الحكم أن رئاسة الدولة تكون على نوعين :
الأول خلافة دينية : إذا استوفت الشروط وهي البيعة والشورى والعدالة والقرشية . والثاني خلافة دنيوية إذا لم تستوف هذه الشروط وفي كلتا الحالتين تجب الطاعة ولا يجوز الخروج .
وعلى هذا المبدأ السياسي تكونت بعض الأصول المذهبية في العقائد والفقه ومن هذا التكتل انبثقت مذاهب الأشاعرة والماتريدية والأثرية والمعتزلة .
التكتل الهاشمي وهو في الدرجة الثانية من حيث الكثرة والقوة .
والمبدأ الأساسي الذي ارتبط به في موضوع الحكم أن رئاسة الدولة وهي أهم شيء في الأمة الإسلامية، وما كان الله ليتركها للناس ولذلك فإن الخلافة الإسلامية تنبني على وصية يتركها السابق للاحق ، وكان أول وصي هو الإمام علي ثم تسلسلت ، وعلى هذا المبدأ تكونت أصولهم المذهبية في العقائد والفقه ، ومنه انبثقت فرق الشيعة .
التكتل المثالي وقد ظهر بعنف واختفى في سرعة والمبدأ الأساسي الذي ارتبط به في موضوع الحكم أن رئاسة الدولة تتم بالاختيار المطلق ، وتسقط بالجور وعندما تسقط بالجور فعلى الخليفة أن يعتزل أو يقتل أو يحارب ، ولم يكتب لهذا التكتل أن يبقى طويلا ، ولذلك لم يترك ما نستدل به على أصوله في العقائد والفقه رغم أن كتب خصومه تسند إليه مقالات في الأصول أو الفروع .
التكتل الرابع وقد ظهر عند احتدام الخصام بين التكتلات الثلاثة ، والمبدأ الأساسي الذي ارتبط به في موضوع الحكم هو أن رئاسة الدولة تتم بالبيعة والشورى والعدالة ، وأن الخليفة الذي جاء عن هذا الطريق واستمر عليه تجب طاعته ولا يجوز الخروج عليه ، فإذا انحرف جاز الخروج عليه . وإذا جاء في غير هذه الطرق ولكنه سار بسيرة العدول فهو أيضا تجب طاعته ولا يجوز الخروج عليه>
ومن هذا التكتل انبثقت مذاهب الإباضية بهذا يتحصل أن للأمة الإسلامية في الخلافة أربعة آراء هي :
1- من يمسك رئاسة الدولة سواء كانت رئاسة دينية أو دنيوية تجب طاعته ، والخروج عليه فسق .
2- لا يعتبر إماما للأمة الإسلامية إلا من جاء عن طريق الوصية وهو حينئذ معصوم وطاعته واجبة والخروج عليه فسق .
3- لا يكون إمام المسلمين إلا من جاء بالاختيار الحر وتجب طاعته إذا كان عادلا ، فإن جار وجب الخروج عليه وقتله إذا لم ينعزل .
4- إمام المسلمين سواء جاء بطريق الشورى أو بغيره إذا كان عادلا تجب طاعته والخروج عنه فسق ، وإذا جاز جاز البقاء تحت حكمه ولا يطاع في معصية وجاز الخروج عنه .
المصدر: كتاب الاباضية بين الفرق الاسلامية – للشيخ علي يحي معمر