الاضطراب في حديث بن عمر


حديث ابن عمر: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير في الصلاة، فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلهما حذومنكبيه، وإذا كبر للركوع فعل مثله، وإذا قال سمع الله لمن حمده فعل مثله وقال ربنا ولك الحمد، ولا يفعل ذلك حين يسجد، ولا حين يرفع رأسه من السجود». رواه البخاري ومسلم وغيرهما([1]).

هذا الحديث المشهور الذي رواه البخاري عن ابن عمر في رفع الأيدي عند التكبير والركوع والرفع من الركوع يعتبره القائلون بالرفع من أقوي الاحاديث التي يستدلون بها في إثبات أن الرفع من السنة  لكن ثبت بالتحقيق العلمي بأن هذا الحديث مضطرب من ستة أوجه  والمضطرب لا يحتج به  كما يقول المحققون. 

وفيما يلي ننقل ما ورد في حديث ابن عمر من الاضطراب مما جمعه الباحث إبراهيم بولرواح من أقوال المحققين من أهل الحديث في كتابه ” وجهة نظر في  مسألة رفع الأيدي في الصلاة وقبضهما”

يقول الباحث: 

هذا الحديث يعد عند القائلين بالرفع أقوى ما عندهم فيه، حيث قال ابن المديني: “رَفع الأيدي حق على المسلمين بما روى الزهري عن سالم عن أبيه”([2]). وقال -أيضا-: “هَذا الحديث عندي حجة على الخلق، كل من سمعه فعليه أن يعمل به؛ لأنّه ليس في إسناده شيءٌ”([3]).

وقال الشافعي: “لا يحل لأحد سمع حديث رسول الله e في رفع اليدين في افتتاح الصلاة وعند الركوع والرفع من الركوع أن يترك الاقتداء بفعله e”. وقال السبكي معقبا على قول الشافعي: “هذا صريح في أنه يوجبه”([4]).

غير أن ما يحيّر الألباب أن هذا الحديث قد ذكر صاحب المعارف([5]) أنه مضطرب من ستة أوجه، والمضطرب من أقسام الضعيف الذي لا يصلح للاحتجاج، ومع ذلك ذكر بعضهم أنه قد أجمع أهل النقل على صحته([6])؛ فإن كان المقصود صحة السند فلا إشكال  -مبدئيا-، وإن كان المقصود السند والمتن معا فإن هذا ما سندركه بعد الاطلاع على وجوه الاضطراب، وهي:

الأول:  أنه جاء بذكر الرفع في الافتتاح.

الثاني: أنه جاء بذكر الرفع في الافتتاح وبعد الركوع، وهوسياق (الموطأ) لمالك، أي في الموضعين، ولم يذكر الرفع عند الركوع، وهو رواية يحيى، وتابعه القعنبي، والشافعي، ومعن، وابن نافع، والزبيدي، وجماعة، وقد تابع مالكا ابن عيينة، ويونس، وغيرهما عن الزهري.

الثالث: أنه جاء بذكر الرفع في المواضع الثلاثه، وهورواية ابن وهب، ومحمد بن الحسن، وابن القاسم، وجماعة عن مالك.

الرابع: أنه جاء بزيادة الرفع بين الركعتين ما عدا المواضع الثلاثة، من طريق نافع عند البخارى (في صحيحه) فيكون الرفع في أربعة مواضع، وهو وإن اختلف فيه رفعا ووقفا، لكن الحافظ (في الفتح) يرجح الرفع، يزعمه ابن خزيمة سنة، ويلزم ابن دقيق العيد الشافعي به لقاعدته بما ثبت وصح من الزيادة.

الخامس: أنه جاء بزيادة الرفع للسجود ماعدا المواضع الأربعة، عند البخارى (في جزئه) من طريق نافع فيكون الرفع في خمسة مواضع.

السادس: أنه جاء بذكر الرفع في كل خفض ورفع وركوع وسجود وقيام وقعود وبين السجدتين، عند الطحاوي (في مشكل الآثار) كما حكاه الحافظ. 

قال: وبالجملة حديث ابن عمر على ستة أوجه: سياق (المدونة)، وسياق (الموطأ) لمحمد، وسياق (الموطأ) لمالك، وسياق البخارى (في صحيحه)، وسياق البخارى (في جزئه)، وسياق الطحاوى (في مشكله)، وهذه وجوه أصل الحديث وقفا ورفعا، فرواه عبدالوهاب الثقفي والمعتمر كلاهما عن عبيد الله عن نافع. وكذا الليث بن سعد، وابن جريج، ومالك عن نافع مرفوعا، وربما يخال الاختلاف في الرابع أي من زيادة الركعتين. وبالجملة احتج أبوداود (في سننه) بالأول، والبخارى (في جزئه) و(في صحيحه) بالثاني، وهذا اختلاف على نافع نفسه في الرفع والوقف.

وكذلك اختلف سالم ونافع في الرفع والوقف، ومن أجل هذا يقول الحافظ الأصيلي: ولم يأخذ به مالك؛ لأن نافعا وقفه على ابن عمر، وهو أحد الأربع التي اختلف فيها سالم ونافع، والترجيح لبعضها وإسقاط بعضها مما لا يمكن. اهـ المراد منه.

وقد عقب الشيخ سعيد القنوبي([7]) على ما ذكره البنوري بقوله:

“ومع هذا الاختلاف لا تقوم الحجة. على أن في الحديث علة أخرى أشرنا إليها في أول بحثنا في معنى قول ابن معين عن الراوى: ليس بشيء، فليراجع من هناك”([8]).

– وزاد البنوري قائلا: “إن للتاركين وجوها قوية في ترك العمل به، وكم من أحاديث تركوا العمل بها بأقل مما هاهنا، فالحديث مع كونه غير معمول به في المدينة في عهد مالك   -كما اعتذر منه المالكية- ومع كونه معارَضا بأثر مجاهد عن ابن عمر عند ابن أبي شيبة والطحاوي بإسناد صحيح –كما اعتذر منه الحنفية-؛ فيه من صنوف الاضطراب ما يأتي على ستة أوجه..”([9]).

قال الكاندهلوي: “فالحق أن حديث ابن عمر -رضي الله عنهم- مع أنه مخرّج في الصحيحين مضطرب في مواضع الرفع، ولعل ذاك السر في أن الإمام مالكا لم يأخذ به في قوله المشهور، وهوالمراد بما (في المدونة) قال مالك: لا أعرف رفع اليدين في شيء من تكبير الصلاة، لا في خفض ولا في رفع، إلا في افتتاح الصلاة. قال ابن القاسم: وكان رفع اليدين عند مالك ضعيفا إلا في تكبيرة الإحرام”([10]).


([1]) – صحيح البخاري، باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع، رقم705، 1/258. صحيح مسلم، باب استحباب رفع اليدين حذوالمنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع وفي الرفع من الركوع وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود، رقم390، 1/292. والحديث عندهما وعند غيرهما بطرق مختلفة، وبألفاظ تستدعي التوقف والتأمل؛ ففي حبن تفيد رواية البخاري المذكورة أعلاه أن الرفع مقترن بالتكبير تفيد رواية مسلم الآتية أنه يرفع أولا ثم يكبر: (كان رسول الله e إذا قام للصلاة رفع يديه حتى تكونا حذومنكبيه ثم كبر فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع من الركوع فعل مثل ذلك، ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود). بينما قد يفهم من رواية أبي داود الآتية أنه يكبر ثم يرفع: (كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه). سنن أبي داود، أبواب تفريع استفتاح الصلاة باب رفع اليدين في الصلاة، رقم722، 1/192.

([2]) – البخاري: رفع اليدين، رقم 19، ص38.

([3]) – اللخمي: مختصر خلافيات البيهقي، 2/69/ج ت.

([4]) – [السبكي: طبقات الشافعية، ترجمة أبي إبراهيم إسماعيل بن يحي المزني، 2/100]، نقلا عن: البخاري: رفع اليدين، هامش ص7.

([5]) –  البنوري: معارف السنن، 2/476.

([6]) – قال البرديجي (أبوبكر أحمد بن هارون البرديجي تـ:310هـ): “أجمع أهل النقل على صحة حديث الزهري عن سالم”حكاه عنه ابن حجر في النكت على ابن الصلاح (1/261/ج ت)، ولم يعلق عليه بشيء. ونقل بديع الدين الراشدي قول كل من سفيان وأحمد بن حنبل وغيرهما ممن جعلوا هذا الإسناد في أعلى مراتب الصحة. انظر؛ رفع اليدين، هامش ص38.

([7]) – الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي: باحث ومستشار شرعي بمكتب الإفتاء بمسقط-سلطنة عمان.

([8]) – القنوبي: جواب عن سؤال متضمن لحديث ابن عمر، وحديثين في القبض (توجد نسخة منه بمكتب الإفتاء).

([9]) –  البنوري: معارف السنن، 2/475.

([10]) –  الكاندهلوي: أوجز المسالك، 1/82.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *