ابو إسحاق إبراهيم اطفيش

بقلم د. محمد صالح ناصر

  إبراهيم بن امحمد بن ابراهيم بن يوسف اطفيش.

1305هـ/1886م- 1385هـ/1965م

علامة، وطني، فقيه.

ولد ببلدة (بني يزقن) من قرى (وادي ميزاب) جنوب الجزائر، في أحضان عائلة كريمة متدينة، أنجبت للعالم الإسلامي عالما فذا من علماء الجزائر و هو عمه قطب الأئمة الحاج أمحمد بن يوسف اطفيش (ت:1914م).

أتم ابراهيم حفظ القرآن في الحادية عشرة من عمره، ثم أخذ مبادئ العلوم العربية و الشرعية على يد عمه القطب اطفيش في مسقط رأسه، ثم عن المصلح العالم عبد القادر المجاوي بالجزائر العاصمة.

في سنة 1917م يمم تونس ضمن بعثة علمية، فالتحق بجامع الزيتونة، و كان مثار إعجاب مشايخه، ذكاء و أخلاقا و سعة علم. و ما لبث أن استهوته السياسة بأجوائها الحماسية الوطنية، فأصبح عضوا بارزا في حزب الدستور التونسي بزعامة الشيخ عبد العزيز الثعالبي صحبة زملائه في البعثة أبي اليقظان، و محمد الثميني، و الشيخ صالح بن يحي.

عرف أبو اسحاق في الأوساط السياسية و الثقافية بكرهه الشديد للاستعمار الفرنسي الذي نفاه من الجزائر إلى تونس، و عرف بنشاطه ذاك في الأوساط التونسية، و ما لبث أن جاءه قرار النفي و الإبعاد من السلطات الفرنسية على أن يختار أي بلد يشاء، فاختار مصر التي وصلها في 23 فبراير 1923م، و هي نفس الفترة التي نفي فيها كل من الأمير خالد بن عبد القادر الجزائري، و عبد العزيز الثعالبي اللذين تربطهما بأبي اسحاق روابط العمل الوطني.

و في القاهرة وجد المجال واسعا للعمل الوطني، فنشط في ميدان السياسة و الفكر و قام بأعمال جليلة في الصحافة، و تحقيق التراث، و التأليف، إلى جانب نشاطه الإجتماعي مع الجمعيات الخيرية ذات التوجه الإصلاحي الإسلامي.  

و من أهم أعماله نذكر ما يلي:

أصدر و ترأس تحرير مجلة المنهاج ما بين 1344هـ/1925م- 1349هـ/1930م، التي عرفت بتوجهها السياسي و الإجتماعي القويين، فكانت تنشر مقالات لكتاب عرفوا بعدائهم الصريح للاستعمار الغربي، تكشف عن مخططات الإنجليز و الفرنسيين الاستيطانية في الحجاز و الشام و المغرب العربي بأسلوب تحليلي عميق. و في الميدان الديني و الاجتماعي كانت ترد على مقالات التغريبيين المعجبين بالمدنية الغربية، المشككين في ثراء الحضارة الإسلامية، و قدرتها على التطور، و من ثم فإنها منعت من دخول كثير من البلاد  العربية و الإسلامية. و ما لبثت بعد مضايقات سياسية، و متاعب مالية أن توقفت، فأسند الشيخ اطفيش رخصة صدورها إلى زميله في الكفاح الوطني محب الدين الخطيب، و كان ذلك سنة 1931م، فأخذت تصدر في شكل جريدة محتفظة بالعنوان نفسه (المنهاج)

أسس مع صديقه الشيخ الخضر حسين جمعية الهداية الإسلامية.

في أواخر الخمسينيات و بداية الستينيات أصبح عضوا فعالا في جمعية تعاون جاليات شمال افريقية، و المؤتمر الإسلامي المنعقد بالقدس سنة 1350هـ/1930م

كان عضوا نشيطا في جمعية الشبان المسلمين الذي تربطه بزعيمها الحسن البنا صداقة حميمة.

كان عضوا نشيطا في مكتب إمامة عمان بالقاهرة، إذ أسند إليه الإمام غالب بن علي التعريف بقضية عمان في المحافل الدولية، و الجامعة العربية، و سافر من أجل ذلك إلى عمان و إلى أمريكا ناطقا رسميا في الأمم المتحدة.

في جوان 1359هـ/1940م أسندت إليه وزارة الداخلية المصرية مهمة الإشراف على قسم التصحيح بدار الكتب المصرية، و كان من أجل أعماله فيها:

تحقيق و تصحيح أجزاء من الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.

تصحيح كتاب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، من تأليف محمد فؤاد عبد الباقي.

تصحيح و تحقيق أجزاء من كتاب نهاية الأرب، و غيرها.

و كان و هو بدار الكتب المصرية مرجع الفتوى في العلوم الشرعية و اللغوية، شارك مشاركة فعالة في تحرير مادة الموسوعة الفقهية، و لا سيما فيما يتعلق بالمذهب الإباضي. و هكذا تألق أبو اسحاق بين زملائه، و عرف بينهم بغزارة العلم، و دقة التحقيق، و الإخلاص في العمل، كما اشتهر بينهم بقوة عارضته إذا حاجج، و رحابة صدره إذا نوقش، و رسوخ قدمه في مجالي الشريعة و علوم اللغة إذا استفتي أو استشير. و لعل ما بهر به المصريين فعلا هو إخلاصه النادر لعمله ما يقرب لأربعين سنة كان فيها مثالا للجد و المثابرة و التفاني، و اكتسب من أجل ذلك صداقة فطاحل علماء مصر من أمثال الشيخ مصطفى المراغي شيخ جامع الأزهر، و محمد أبو زهرة، و محمد علي النجار، و محمد سلام مذكور، و مصطفى عبد الرزاق، و منصور فهمي، و غيرهم.

إن وجود أبي اسحاق في مصر أفاد القضية الجزائرية إفادة كبرى، فقد كان يقف لمؤامرات الاستعمار الفرنسي بالمرصاد، كشفا و فضحا، لا يكتفي بما يكتبه بقلمه في مجلته المنهاج، بل كان يستنهض للكتابة أشهر الأقلام الوطنية المصرية، من أمثال أحمد زكي باشا، و محب الدين الخطيب، و محمد علي الطاهر، و غيرهم.

كما كان له الفضل العظيم في إزالة الكثير من الأخطاء التي كانت عالقة بأذهان بعض الباحثين عن الإباضية، و صحح الكثير من المعلومات التي تنوقلت عن المصادر التاريخية التي ألفت في عصور التفرق و الفتنة.

آثاره و مكانته العلمية

كان أبو اسحاق يملك قلما سيالا، و أفقا واسعا، تجود عليه بعطاء فكري ثري، و الذي يبدو من خلال مراسلاته أنه ألف في مواضيع شتى، و لا سيما فيما يتعلق بالمذهب الإباضي تاريخا و فقها، و لكننا لم نستطع الوصول إلى هذه الآثار رغم البحث عنها.

أما في ميدان التأليف و التحقيق فنجد له ما يلي:

  • مقالات كثيرة في مجلة الفتح و الزهراء لصاحبهما محب الدين الخطيب، و هو من أعز أصدقائه و المتعاونين معه.

  • ألف كتاب الدعاية إلى سبيل المؤمنين يطرح فيها نظرته إلى تطوير التعليم العربي الإسلامي، و يرد على خصومه من المحافظين، و قد صدر عن المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1923م.

  • شرح كتاب الملاحن لابن دريد، وطبع عدة مرات في كل من مصر و عمان.

  • النقد الجليل للعتب الجميل (رد فيه على محمد بن عقيل العلوي الذي طعن في مذهب أهل الحق و الاستقامة)، و قد صدر بالقاهرة لأول مرة سنة 1924م، ثم أعيد طبعه بعمان عن مكتبة الضامري للنشر و التوزيع سنة 1414هـ/1993م

  • الفرق بين الإباضية و الخوارج. طبع عدة مرات في الجزائر، و مصر، و عمان.

و قد أشار أبو اسحاق في مراسلاته للشيخ أبي اليقظان إلى عدة مؤلفات أنجزها أو هو في صدد إنجازها و ظلت مخطوطات لم تر النور، و لم يعثر عليها إلى حد الساعة، و هي:

         ·           موجز تاريخ الإباضية

         ·           المحكم و المتشابه

         ·           عصمة الأنبياء و الرسل

         ·           الأقوال السنية في أحوال قطب الأئمة، أشار إليه في هامش كتاب الدعاية إلى سبيل  لمؤمنين،   ص109

         ·           القطب اطْفَيَّش

         ·           صلاة السفر

         ·           منهاج السلامة فيما عليه أهل الإستقامة

         ·           تفسير سورة الفاتحة

         ·           الفنون الحربية في الكتاب و السنة

         ·           مختصر الأصول و الفقه للمدارس

                    كتاب النقض

و في ميدان تحقيق التراث نجد له ما يلي:

         ·           تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان للشيخ السالمي في جزأين. مطبوع عدة مرات بعمان

         ·           شرح النيل و شفاء العليل، معتمد الإباضية في الفقه، الأجزاء الثامن و التاسع و العاشر،  مطبوع عدة  مرات في مصر، و الجزائر، و لبنان، و السعودية، و إيران

         ·    جامع أركان الإسلام، من تأليف سيف بن ناصر الخروصي العماني، مطبوع عدة مرات     بمصر، و عمان

         ·    شامل الأصل و الفرع، من تأليف القطب اطفيش، طبع عدة مرات بمصر، و الجزائر، و عمان

         ·     مسند الإمام الربيع بن حبيب في الحديث، طبع عدة مرات في مصر، و الجزائر، و عمان

         ·   الذهب الخالص، من تأليف القطب اطفيش، طبع عدة مرات في مصر، و الجزائر، و عمان

         ·      كتاب الرسم، من تأليف القطب، و من شرحه و تحقيقه، طبع عدة مرات في مصر، و   الجزائر، و عمان

         ·           كتاب الوضع (مختصر في الأصول و العقيدة) من تأليف أبي زكريا يحي الجناوي، طبع  بالجزائر، و مصر،  و عمان عدة مرات

 يمتاز أبو اسحاق في كتاباته بشخصية قوية، و يدل في تحليلاته للأوضاع و القضايا السياسية و الاجتماعية و الدينية على سعة في المعرفة، و اطلاع جم على الأحداث، و مواكبة حية لتطوراتها، و ثبات راسخ في الموقف و التوجه.

  في أخريات حياته اشتد عليه مرض في “البروستاتا” استدعى إجراء عملية جراحية عاجلة، غير أن القدر كان أسبق، فوافته منيته بعد أيام قليلة من اشتداد المرض، فانتقل إلى رحمة الله، و ذلك سحر يوم 20 شعبان 1385هـ الموافق لـ 13 ديسمبر 1965م، و صلى عليه في جامع المطرية الشيخ محمد المدني عميد كلية أصول الدين بالأزهر الشريف، و شيعت جنازته بحضور كثير من العلماء و رجال الفكر في مصر، و ووري جثمانه في مقبرة آل الشماخي، كما أوصى.

 أهم المصادر

         ·           د/محمد ناصر، الشيخ ابراهيم اطفيش في جهاده الإسلامي، جمعية التراث، القرارة، الجزائر، 1991م

         ·           أبو اليقظان إبراهيم، ملحق السير ص: 145-147 (مخ)

         ·           مراسلات بين أبي اليقظان و أبي اسحاق (مخ) ، مكتبة محمد ناصر، الجزائر

         ·    جمعية التراث، القرارة، معجم أعلام الإباضية (قسم المغرب)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ج2، ص: 24-26

         ·    يوسف الحاج سعيد، تاريخ بني ميزاب، المطبعة العربية، غرداية، 1992م، ص 185-189

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

15 − six =