أسباب الإختلاف

أسباب الاختلاف بين المسلمين

مقدمة

الخلاف سنة كونية وطبيعة بشرية  وقد جاء ذكر ذلك  في القرآن الكريم في عدة مواضع منها قول الله تعالى: (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة)  وقوله: (ولا يزالون مختلفين)، ولعل أول خلاف حدث في التاريخ هو الخلاف الذي حدث بين قابيل وهابيل ابني آدم عليه السلام وأدى ذلك إلى قتل هابيل كما ذكر القرآن في سور ة النساء.

ومن الخلاف ما هو مقبول  ومنه ما هو مذموم، فالخلاف المقبول هو الذي يكون سببه الاختلاف في الفهم والاجتهاد في فروع الدين، ولعل هذا هو الخلاف الذي عناه الرسول (ص) بقوله (اختلاف أمتي رحمة). وأما الخلاف المذموم فهو الذي يكون بسبب التعصب وإتباع الهوى ، وهذا الخلاف يسبب الفرقة والتباغض، ونرجو أن يختفي من واقع المسلمين.

أسباب الاختلاف

إن وجهات النظر بصفة عامة تختلف من فرد إلى فرد ومن جماعة إلى جماعة ومن دولة إلى أخرى. وفي أي قضية من القضايا نجد أن درجة الاختلاف تتناسب مع درجة الوعي والتربية والمصلحة ودرجة التحضر والقوة والضعف فكل فرد أو فرقة ينظر إلى القضية الخلافية (أو غيرها) من زاويته الخاصة من خلال مصلحته وحسب ما تكوّن لديه من آراء, وبذلك يمكن القول بالنسبة للقضايا الخلافية إنه ليس هناك حق مطلق إنما كل رأي يملك قدرا نسبيا من الحق طالما أن الإخلاص وغاية الوصول إلى الحق هو ما يتصف به كل من المخالفين. وبالنسبة للقضايا الشرعية فبالإضافة إلى ما سبق فإن هناك أسبابا نتج عنها الاختلاف بين العلماء في كثير من الأحكام الشرعية نذكر أهمها باختصار :

  1-    الاختلاف في أصول التشريع،  وبعض مصادر الاستنباط.

من أهم أسباب الاختلاف بين المذاهب هو الاختلاف في بعض الأصول الشرعية ومصادر الاستنباط، فرغم إجماع الأمة على أن القرآن والسنة والإجماع هي القواعد الأساسية لأصول الاستنباط، إلا أنهم اختلفوا فيما يأتي بعدها من الأصول فأبو حنيفة مثلا يقدم القياس على مرسل الحديث المرسل والإمام مالك يتوسع في الأخذ بالمصالح المرسلة ويقدم عمل أهل المدينة على القياس .

  2-    تعارض الجرح والتعديل في الراوي الواحد.

من المعلوم أن عدم ثبوت الحديث يكون إما بانقطاع في سنده أو جرح في أحد رواته، وقد اختلف المحدثون في ترجيح وعدالة بعض الرواة

. (ولعل أول ظاهرة تستوقف الناظر في كتب الجرح والتعديل، هي ظاهرة التعارض في أقوال النقاد من الجارحين والمعدلين في الراوي الواحد، حيث يوثقه بعضهم ويجرحه آخرون، بل إنك لترى التعارض في الحكم يصدر أحيانا في الراوي الواحد، حيث يروى عنه تعديله مرة، وجرحه مرة أخرى)[1]. ولعل الاختلاف القائم في مسألة رواية المبتدع وما تفرع منها، كان له أكبر الأثر في حكمهم على الراوي الواحد. ولعل حشر الإباضية ضمن طائفة المبتدعين كان من أهم الأسباب التي من أجلها أهمل علماء السنة كثيرا من

الأحاديث المروية عن رواة الإباضية.

ويقول أحمد أمين في كتابه” فجر الإسلام” ما نصه (وكان للاختلاف المذهبي دور في التعديل والجرح، فأهل السنة يجرحون كثيرا من الشيعة حتى أنهم نصوا على أنه لا يصح أن يُروى عن علي ما رواه عنه أصحابه وشيعته، إنما يصح أن يُروى ما رواه عنه أصحاب عبد الله بن مسعود، وكذلك كان الشيعة مع أهل السنة، فكثير منهم لا يثق إلا بما رواه الشيعة عن أهل البيت وهكذا. ونشأ عن هذا أن من يعدله قوم يجرحه آخرون. قال الذهبي (لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة) ومع ما في هذا القول من المبالغة فهو يدلنا على مقدار اختلاف الأنظار في الجرح والتعديل. ولنضرب على ذلك مثلا: محمد بن إسحاق – أكبر مؤرخ في حوادث الإسلام الأولى – قال فيه قتادة : لا يزال الناس في علم ما عاش محمد بن إسحاق، وقال فيه النسائي : (ليس بالقوي)، وقال سفيان: (ما سمعت أحدا يتهم محمد بن إسحاق)، وقال الدار قطني: (لا يُحتج به وبأبيه)، وقال مالك: (أشهد أنه كذاب) …. الخ.

ومثال آخر هو عكرمة مولى ابن عباس، وقد ملأ الدنيا حديثا وتفسيرا، فقد رماه بعضهم بالكذب وبأنه يرى رأي الخوارج وبأنه كان يقبل جوائز الأمراء، ورووا عن كذبه شيئا كثيرا فرووا أن سعيد بن المسيب قال لمولاه “برد” لا تكذب علي كما كذب عكرمة على مولاه. وقال القاسم إن عكرمة بحرا من البحور وتكلم الناس فيه، وليس يحتج بحديثه. هذا على حين  يوثقه آخرون ويعدلونه فابن جرير الطبري يثق به كل الثقة ويملأ تفسيره وتاريخه بأقواله، وقد وثقه أحمد بن حنبل واسحق بن راهويه ويحي بن معين  وغيرهم من كبار المحدثين، فالبخاري ترجح له صدقه فهو يروي له في صحيحه كثيرا، ومسلم ترجح له كذبه فلم يرو له إلا حديثا واحدا في الحج ولم يعتمد عليه وحده وإنما ذكره تقوية لحديث سعيد بن جبير في الموضوع نفسه[2].

  3-    الاختلاف في فهم نص الحديث أو الآية

فقد يتفق العلماء في وصول الحديث وثبوته عندهم ولكنهم يختلفون في فهمهم لنص الحديث  فقوله صلى الله عليه وسلم : (لا يمس القرآن إلا طاهر) فهمه العلماء على عدة معان فكلمة طاهر قد تدل على طهارة الحدث الأكبر أو الأصغر وقد يراد بها من ليس على بدنه نجاسة.  ومن ذلك اختلف العلماء في مس المصحف بدون وضوء فمنهم من أجازه، ومنهم من كره ذلك.

ومن أمثلة ذلك أيضا ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة الأحزاب نزل عليه جبريل واستعجله بالذهاب إلى بني قريظة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لأصحابه مستعجلا لهم : (لا يصلين أحدٌ العصر إلا في بني قريضة) فأدركتهم صلاة العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها، وقال آخرون:(بل نصلي، لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك). فلما ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم  أقرهم جميعا على فعلهم, رغم أن اجتهاد بعضهم أدى إلى تأخير الصلاة عن وقتها عمدا – أخذا بظاهر النص-  وأدى اجتهاد غيرهم إلى مخالفة ظاهر النص.

  4-    الاختلاف في طرق الجمع والترجيح بين النصوص.

اختلف العلماء في تأويل الأحاديث وترجيح بعضها على بعض حسب اختلافهم في فهمها، ولكن لم ينكر أحد منهم الحديث، وعدم الأخذ به لا يعني إنكاره وعدم الاعتراف به فالإباضية عندما تركوا الأخذ ببعض الأحاديث في البخاري ومسلم أو في غيرها من كتب السنة لا يعنى إنكارهم لها، ولكن رجحوا عليها  غيرها من الأحاديث أو الآيات على ذلك الحديث، وليس هذا خاصا بالإباضية إنما هذا ما فعله كثير من العلماء والأئمة. ومن أمثلة ذلك الإمام الشافعي الذي لم يأخذ بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري  ومسلم الذي يقول أن النبي (ص) لم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وهو الذي قال: (ليس لأحد بلغته سُنّة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يدعها لقول أحد). فهل كان الإمام الشافعي منكرا للحديث الصحيح، كلا, ولكن استنباطه للحكم لم يعتمد فقط على ظاهر الحديث.

ما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين

إن الاختلاف الذي يكون سببه ما ذكرناه لا ينبغي أن يحدث فرقة بين المسلمين بل يجب أن تتسع له صدور العلماء وأن يحسنوا الظن بالمخالف، لأن هذا الخلاف لا يمكن القضاء عليه، فهو موجود من بداية البشرية وسيستمر إلى قيام الساعة.  ومن يظن أنه سيأتي اليوم الذي يجتمع فيه المسلمون على رأي واحد  – في فروع الفقه أو العقيدة – فهو واهم وذلك ضرب من الخيال، لأن الصحابة ومن بعدهم اختلفوا ولم يتفقوا على رأي واحد في كل مسألة ولا يمكن أن نكون أحسن منهم.  وإن الذين يحاولون جمع الأمة الإسلامية على رأي واحد بترجيح بعض الآراء والأحاديث على غيرها ما هو إلا تعصب لأحد الأقوال المعروفة ولن يزيدوا الأمر إلا تعقيدا, لأن سلف الأمة من الصحابة والتابعين كانوا أكثر علما بهذه القضايا وأقرب إلى النبع الصافي ورغم ذلك فقد اختلفوا فيها. وكما يقول صاحب كتاب “أدب الخلاف” فإن (الأصل في علماء الإسلام ودعاته ورجاله أنهم لا يختلفون رغبة في الاختلاف، ولا حبا في النزاع، ولا يكون دافعهم الشهوة، وإنما بحثا عن الحق ورغبة في رضوان الله، وحينئذ فلا بد أن يكون لكل صاحب قول دليل، أو لكل أهل مذهب دليل يستدلون به، أو أدلة يستدلون بها، ولا يجوز لك أن تأخذ أدلة القول من المذهب أو الجماعة من خصومهم وممن يخالفهم ما دام يمكنك معرفة أدلتهم مباشرة، أو مشافهة، وإما من كتبهم،وإما بمراسلتهم، وإما من خلال نقل الثقات من تلاميذهم)[3].

نستنتج مما سبق أنه لا يوجد مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر  في هذا الكون يقصد أن يخالف سنة النبي (ص) سواء كانت قولية أو فعلية لمجرد المخالفة. إن كل مسلم إما أن يكون مجتهدا أو مقلدا، وعموم الناس مقلدون، والمجتهدون قلة في جميع الأزمان والعصور. وبالنسبة للقضايا العقيدية وقضايا الفقه المعلومة ليس هناك من جديد يمكن أن يضيفه المجتهدون في هذا الزمان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

17 − eight =